يكره وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، هذا السؤال بكل أشكاله. سُئل مؤخراً على منصة دولية: «هل حياة اليهود أكثر أهمية من حياة الفلسطينيين والمسلمين؟». «لا، ونقطة على السطر»، أجاب مندهشاً بشكل واضح. ومن الواضح أن هذا لم يرض أحداً. «هل لدينا معايير مزدوجة؟ الجواب هو لا»، كان عليه أن يجيب مرة أخرى هذا الأسبوع، في أثناء إطلاق التقرير السنوي لوزارته حول حقوق الإنسان. وهو يوثق الانتهاكات في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الانتهاكات التي ترتكبها «حماس» والجيش الإسرائيلي.
السبب وراء استمرار ظهور هذه الأسئلة المحرجة هو أن كثيراً من دول العالم تفترض ببساطة أن إدارة الرئيس جو بايدن لديها معايير مزدوجة، تدين بموجبها أو تعاقب انتهاكات خصومها، مثل روسيا، لكنها تتجاهل أو تبرر تلك التي يرتكبها أصدقاؤها، مثل إسرائيل. وسواء أكان هذا التصور صحيحاً أم لا، فإنه منتشر على نطاق واسع، ليس فقط في البلدان الإسلامية والجنوب العالمي، بل أيضاً في المناطق الأقرب إلى واشنطن. ولهذا السبب يحتج الطلاب الأميركيون في حرم الجامعات، من كلا المعسكرين، ولكن بشكل غير متناسب؛ من أجل للفلسطينيين.
لقد كنت من بين أولئك الذين جادلوا بأن بايدن كان في الواقع أفضل من معظم الآخرين في إظهار التعاطف مع كلا الجانبين. ومع ذلك فإنني أرى أن الضغوط تزداد في محكمة الرأي العام العالمي. في بعض الأحيان حرفياً: محكمة العدل الدولية في لاهاي تتداول في قضية تتهم إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة. وفي أحيان أخرى سياسياً: وقّع عديد من الأشخاص داخل وزارة الخارجية الأميركية على احتجاجات في «قناة المعارضة» الداخلية، واستقال اثنان منهم.
أخبرني أحدهم أنهم منزعجون بشكل خاص من أن الولايات المتحدة تبدو كأنها تتجاهل ليس فقط القانون الدولي، بل أيضاً القانون المحلي، وعلى وجه التحديد ما يُسمى «قانون ليهي». يحمل هذا القانون اسم باتريك ليهي، عضو مجلس الشيوخ السابق عن ولاية فيرمونت، ويحظر على وزارة الخارجية والبنتاغون مساعدة وحدات من القوات المسلحة الأجنبية المتورطة في «انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان». في وقت كتابته، في التسعينات، كان القانون يستهدف قوات الكوماندوز الخارجة عن السيطرة في الجيش الكولومبي، على سبيل المثال.
لكن هذا الأسبوع، استعد بلينكن لتطبيق «قانون ليهي» على وحدة من الجيش الإسرائيلي للمرة الأولى. وتتمثل الخطة في حجب المساعدات الأميركية عن كتيبة تدعى «نتساح يهودا»، تأسست للجنود المتشددين (الذين لن يقاتلوا إلى جانب النساء)، وقد اجتذبت أيضاً مجندين من مجتمعات المستوطنين الصهيونيين اليمينيين المتطرفين في الضفة الغربية. ووفقاً للأدلة التي تراجعها وزارة الخارجية، فقد ارتكبت «نتساح يهودا» انتهاكات لحقوق الإنسان ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية.
لذا فقد يكون اللوم الأميركي مبرراً. لكن هذه الخطوة الدبلوماسية هي أيضاً تذكير بأنه لا «قانون ليهي» ولا أي أداة قانونية بحتة أخرى يمكن أن تحل مشكلة بايدن الأكبر، وهي ظهور المعايير المزدوجة.
تم تصميم «قانون ليهي» لتوجيه اللوم إلى قوات كوماندوز معينة، ولكن ليست الدول الأجنبية أو حكوماتها كلها. لذا، إذا كانت المشكلة في الشرق الأوسط هي أن رئيس الوزراء بنيامين «بيبي» نتنياهو يأمر باستخدام القوة «العشوائية» (كلمة بايدن) ضد المدنيين في قطاع غزة، ثم معاقبة «نتساح يهودا» على ما فعلته في الضفة الغربية (بالمناسبة قبل 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي) ليس هنا ولا هناك. علاوة على ذلك، يسمح «قانون ليهي» بـ«العلاج»، ما يعني أنه إذا قامت الحكومة الإسرائيلية بتأديب الكتيبة، فستعود للاستفادة من الدعم الأميركي.
وبهذه الطريقة، فإن المقصود من «قانون ليهي» أن يكون بمثابة مشرط أخلاقي في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وليس منشاراً. ومشرط حاد في أنه يقيد وزارتَي الدفاع والخارجية، ولكن ليس، على سبيل المثال، وكالة الاستخبارات المركزية، التي يمكنها العمل مع أي كوماندوز أجنبي تريده. علاوة على ذلك، فإن العملية مرهقة وبيروقراطية، إذ تبدأ مراجعة وزارة الخارجية بمعلومات من المنظمات غير الحكومية وما شابه ذلك، ويمكن أن تمتد لأشهر أو سنوات.
في السياق الحالي، يعد استهداف «قانون ليهي» لإسرائيل رمزياً بالدرجة الأولى. إن تقليص المساعدات المقدمة إلى «نتساح يهودا» لن يقنع نتنياهو بالتخفيف من سياسته أكثر مما فعلته مناشدات بايدن و«الخطوط الحُمر» الأخرى التي لم تثمر على الإطلاق. ومن جانبه، رفض نتنياهو بالفعل الخطوة ووصفها بأنها «ذروة السخافة والانحطاط الأخلاقي».
وهذا يترك رسالة بايدن العامة مشوشة كما كانت دائماً. حتى عندما كان فريق بلينكن يضع اللمسات الأخيرة على تحركهم بموجب «قانون ليهي»، كان الكونغرس يسرع بتقديم حزمة تشريعية إلى مكتب بايدن (وقّعها بالفعل)، ستوفر، من بين أمور أخرى، 26 مليار دولار جديدة لإسرائيل، علاوة على المساعدات التي ترسلها الولايات المتحدة بالفعل كل عام. (وبعد أن تلقت نحو 124 مليار دولار منذ تأسيسها في عام 1948، تُعَد إسرائيل بسهولة أكبر متلقِّ للمساعدات الأميركية التراكمية على مستوى العالم). وستشتمل هذه المساعدات قنابل أميركية من ذلك النوع الذي تطلقه إسرائيل أيضاً على سكان غزة.
علاوة على ذلك، في الأسبوع الماضي فقط، أرسل بايدن أيضاً إشارة أخرى أكثر غموضاً في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. إذ كانت الجزائر اقترحت رفع وضع فلسطين في الأمم المتحدة من «مراقب دائم» إلى «عضو كامل»، وصوتت 12 دولة لصالح ذلك، مع امتناع دولتين عن التصويت. والولايات المتحدة وحدها هي التي استخدمت حق النقض (الفيتو). وكان من الصعب تفسير ذلك، لأن واشنطن تزعم أنها تؤيد بشدة إقامة دولة فلسطينية بوصفها الحل الوحيد طويل الأمد لتهدئة الشرق الأوسط.
لذا سيظل يتعين على بايدن وبلينكن الإجابة عن الأسئلة المزعجة نفسها. إذا أرادا إقناع العالم بأنهما ليست لديهما معايير مزدوجة، فيجب عليهما ربط المساعدات العسكرية لإسرائيل بالاستخدام السليم للأسلحة الأميركية، كما تفعل الولايات المتحدة تجاه معظم المستفيدين الآخرين من مساعداتها، أو وقف جميع الشحنات. وفي الأمم المتحدة، يتعين على أميركا أن تقف إلى جانب إسرائيل أو فلسطين اعتماداً على المسألة المطروحة.
إذا لم يكن بايدن مستعداً لإجراء هذه التغييرات، فلن يمكّنه اللجوء إلى «قانون ليهي» من حل مشكلاته في الشرق الأوسط. سيستمر «بيبي» في تجاهله، وسيواصل الطلاب الأميركيون أعمال الشغب، وسيواصل العالم اتهام الولايات المتحدة بالنفاق. هذه ليست طريقة جيدة للترشح لأربع سنوات أخرى في المنصب.
* خدمة «بلومبرغ»