روس دوثات
خدمة «نيويورك تايمز»
TT

الهواتف الذكية... ضرر بالغ

استمع إلى المقالة

لدى زملائي في غرفة الأخبار منهم جيسون هورويتز، وجايا بيانجياني، تقرير رائع عن السياسات الداعمة للأسرة في مقاطعة «ألتو أديجي»، جنوب «تيرول» الإيطالية، والتي تتمتع بأعلى معدل للولادة مقارنة بباقي أنحاء إيطاليا التي يشيخ سكانها وتنخفض أعدادهم.

تُعد قصتهم صورة ليس فقط لمنظومة سياسات معينة، ولكن أيضاً للثقافة التي يمكن لهذه السياسة أن تساعد على تعزيزها. وعلى وجه الخصوص، تسلط القصة الضوء على ما تقدمه المقاطعة ليس فقط من تمويل مباشر للآباء - بالنسبة للعائلة المكونة من ستة أطفال الموضحة في القصة، فهذا يعني 200 يورو شهرياً لكل طفل حتى يبلغوا سن الثالثة، بالإضافة إلى الإعانات الأسرية التي تقدمها الحكومة الوطنية الإيطالية - ولكن أيضاً محاولة أكثر شمولية لبناء نظام اجتماعي مرحب بالأطفال. يتمتع آباء المقاطعة «بمدارس حضانة مخفضة الأسعار ومنتجات للأطفال ومواد البقالة والرعاية الصحية وفواتير الكهرباء والمواصلات، وأنشطة ما بعد اليوم الدراسي والمخيمات الصيفية». ويجري تشجيع المعلمين على «تحويل شققهم إلى حضانات صغيرة»، كذلك توفر أماكن العمل فترات راحة للرضاعة الطبيعية، وتمتلئ صالات استقبال أماكن العمل بـمنشورات تروج لـ«حقائب» ترحب بالطفل «مملوءة بالنصائح للآباء الجدد والكتب المصورة».

صورة الاستثناءات الصديقة للأسرة في مواجهة قاعدة أكبر لمناهضة الإنجاب، تتوافق مع حجج كتاب جديد لتيم كارني، المحرر بصحيفة «واشنطن إكزامينر»، بعنوان «ضار بالأسرة: كيف جعلت ثقافتنا تربية الأطفال مهمة أصعب بكثير مما يجب أن تكون عليه؟»، والذي يركز على الطرق التي يتآمر بها المجتمع الأميركي لإظهار تربية الأبناء، وكأنها أمر يتطلب جهداً أكبر مما يُحتمل، بل يكاد يكون مستحيلاً.

يصف كارني مجموعة من العادات التي تخرج عن نطاق السياسة (لا أعتقد أن الحكومة تستطيع أن تفعل الكثير لإقناع الآباء بـ«خفض سقف طموحك لأطفالك»، لاختيار أحد عناوين فصوله الأكثر إثارة للاهتمام). ولكن يبدو أنه يمكن التخفيف من الشعور بالإرهاق الذي يصاحب تربية الأبناء في العصر الحديث، ليس فقط من خلال استقطاع أو تقديم ائتمان ضريبي مرة واحدة في السنة، ولكن أيضاً من خلال إشارات دعم صغيرة ومتسقة: الخصم العائلي على البقالة، وخيار رعاية الطفل المريحة في المنزل، وتوفير مساحة لعب مفتوحة، ومساحة عمل مرنة.

إذا لم يكن العالم المتقدم سيختفي وسط مستقبل قاتم وقليل السكان، فلا بد من وجود بعض «التغيير في الروح الكلية وفي طريقة تربية الأبناء»، بحسب زميلتي في صفحة الرأي جيسيكا غروس، العام الماضي، وإعادة تنظيم بعض من توقعات الوالدين والمجتمع التي يبدو أن إحدى المقاطعات الإيطالية، وفقاً لرواية زملائي، قد حققتها جزئياً.

ولكن نؤكد هنا كلمة «جزئياً»؛ ففي الأسبوع الماضي، نشر خبير البيانات في صحيفة «فاينانشال تايمز»، جون بيرن موردوخ، قصة تحت عنوان «لماذا لا تعزز السياسات الصديقة للأسرة معدلات الإنجاب؟». يبدو أن هذا الادعاء يتعارض مع دروس مقاطعة «ألتو أديجي»، ولكن ما يقصده بيرن موردوخ حقاً ليس أن مثل هذه السياسات ليس لها أي تأثير على الإطلاق، بل لأنها لا تعزز معدلات المواليد بما يكفي لتعويض المؤثرات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي تدفع بتلك المعدلات إلى ما دون مستوى الوفيات، وربما أقل من ذلك.

وهذا ما تراه في النموذج الإيطالي، حيث يذكر زملائي أن محاولات صياغة سياسات صديقة للأسرة في مقاطعة «ترينتينو» المجاورة والقريبة من «ألتو أديجي» كانت أكثر إحباطاً، «فقد انخفض معدل المواليد إلى 1.36 طفل لكل امرأة»، وهو «أقرب بكثير إلى المعدل الوطني المتدني». هذا صحيح، ولكن صحيح أيضاً أن معدل المواليد البالغ 1.36 أعلى من أي منطقة أخرى في إيطاليا.

لذلك، فإن جهود «ترينتينو» تعدّ فاشلة؛ بمعنى أنها لم توافق نتائج جارتها الأكثر إثارة للإعجاب، ولم تمنع التراجع الكبير. لكن ربما تمثل أيضاً نجاحاً مقارنة بالبديل الذي لا يتبع سياسات، وهي دراسة حالة لكيفية إحداث الجهود الصديقة للأسرة فارقاً مهماً في الهامش، حتى لو لم تتمكن ببساطة من التغلب على الاتجاهات الأكبر.

لكن ماذا يمكننا فعله للتغلب على هذه الاتجاهات؟ يبدو أن الإجابة القاسية في الوقت الراهن هي «لا شيء». غير أن إجابة أكثر تفاؤلاً ستصل إلى فكرة أكبر عن المعنى والهدف اللذين نحتاج إليهما لثقافة رفع معدلات الإنجاب المنخفضة.

يقترح زملائي أن جزءاً من تفسير الخصوبة الخاصة لمقاطعة «ألتو أديجي» يكمن في تراثها الخاص بوصفها جيباً ذا أصل «جرماني» تم استيعابه في الجمهورية الإيطالية، مما عزز الرغبة في بقائها الثقافي. وبالمثل، يناقش كتاب كارني الاستثناء الإسرائيلي للقاعدة العامة للمجتمعات الغنية ذات معدلات المواليد المنخفضة التي تقل عن معدلات الوفيات، وهو استثناء يشمل الإسرائيليين العلمانيين وكذلك المتدينون المتشددون وله علاقة واضحة بالإحساس بالرسالة الوطنية التي تحتفظ بها التجربة الإسرائيلية. وكتاب جديد آخر، «أطفال هانا: النساء اللاتي يتحدين بهدوء قلة المواليد» للكاتبة كاثرين روث باكالوك، الأستاذة بالجامعة الكاثوليكية الأميركية، حيث يناقش الكتاب مجموعة استثنائية مختلفة، النساء الأميركيات اللواتي أنجبن خمسة أطفال أو أكثر، ويجدن شعوراً مشابهاً بالرسالة، عادة ما يكون دينياً، بوصفه قاسماً مشتركاً يجمع بينهن.

كيف يمكنك ترجمة هذا الشعور بالرسالة من النطاق الأصغر إلى النطاق الأكبر، من المناطق الصغيرة والبلدان وبخاصة المجموعات الدينية إلى المجتمعات الجماهيرية؟ هو سؤال يؤدي عدم وجود إجابات واضحة عنه إلى الإحساس بالتشاؤم مرة أخرى.

على الأقل، من الواضح أن أي نوع شامل من رفع الخصوبة يتعين عليه تحدي التوقعات الحالية ودمج المعاني وعادات تكوين الأسرة وأنماط الحياة العصرية، بطريقة لا يمكن لأحد أن يتوقع حدوثها بعد.

وهذا يقودني إلى الهواتف الذكية. إحدى أفضل المراجعات لكتاب كارني، التي كتبتها ليا ليبريسكو سارجينت في مجلة «فيرست ثينغس»، الذي تقارنه مع كتاب جوناثان هايدت «الجيل المُشَوّش: كيف أن إعادة تنظيم الطفولة تتسبب في وباء من الأمراض العقلية»، حول تأثير الهواتف والشاشات ووسائل التواصل الاجتماعي على الطفولة والمراهقة. يناقش كتاب كارني الآثار السلبية لعالم الشاشات على الحياة الأسرية، ويقدم كتاب هايدت صورة لما حدث بشكل خاطئ مع طفولة الغرب في عصر الهواتف الذكية - فقدان الاستقلالية، واللعب غير المجدول، والتفاعلات وجهاً لوجه بين الأطفال - والتي ستكون تماماً في موضعها في كتاب «ضار بالأسرة».

وبجمع هذه الروايات، تشير سارجينت إلى أن الشاشات ربما أصبحت بديلاً عن أشكال أفضل لمراعاة الأسرة، بوصفها طريقة لإدارة الأطفال في مجتمع غير جاد في التعامل مع كل طاقتهم المعطلة، وعدم نضجهم الذي لا يمكن اختزاله. إنها طريقة جديدة لجعلهم غير مرئيين وغير مسموعين: «الطفل المنكب على هاتف»، «طفل هادئ، غير مزعج ولا يحتاج إلى الظهور في الأماكن العامة على الإطلاق». إذا كانت الشاشات تجعلهم أكثر تعاسة، فإنها تجعلهم أيضاً أكثر قابلية للانقياد بطريقة تحل محل أي تحول اجتماعي أكبر قد يرحب بهم.

في مناقشة حوارية عن موضوعات الرأي لصحيفة «تايمز» التي أجريناها، ربما كنت أكثر تفاؤلاً قليلاً من زملائي المشاركين بشأن قدرتنا على خلق طفولة خالية من الهواتف الذكية إلى حد كبير. لكنني سأعترف بأننا لن نبني مجتمعاً خالياً من الهواتف الذكية في جدول زمني غير كارثي.

لذلك، فإن تخيل التحول إلى ثقافة أكثر ترحيباً بالأطفال يتطلب بالضرورة تخيل ثقافة تستخدم الشاشات بكافة الطرق، ولكن مع التحكم في تأثيراتها واستخداماتها بصورة لم نتقنها بعد.