مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

هشام الهاشمي ولقمان سليم... قوة الدم

استمع إلى المقالة

في 6 يوليو (تموز) 2020 اغتيل الباحث والصحافي العراقي هشام الهاشمي أمام منزله بحي زيونه في بغداد.

في 4 فبراير (شباط) 2021 اغتيل الباحث والصحافي اللبناني لقمان سليم في منطقة عدوسة جنوب لبنان.

الجامع بين الجريمتين، ضياع دم الرجلين، وتفرّق دمهما بين قبائل الميليشيات التابعة لإيران، وحُفر الأجهزة الأمنية، وغابات الورق البيروقراطي الأسود.

الخبر الجديد هو أن أحمد حمداوي الكناني، الشخص المتهم باغتيال الهاشمي أمام منزله في بغداد، بُرِّئ «لعدم كفاية الأدلّة»!

السلطات العراقية الأمنية كانت قد بثّت اعترافات أحمد الكناني، في 16 يوليو (تموز) 2020، بعد 10 أيام من وقوع الجريمة، قال فيها إنه: «من ضمن مجموعة أشخاص خططوا ونفّذوا القتل بعد متابعةٍ لتحركات الهاشمي حتى وصل إلى منزله».

الكناني، ظهر خلال فيديو الاعتراف ذاك، وهو يُشير إلى مُنفّذ الجريمة في شاشة كانت تعرض محتوى من كاميرا مراقبة، وقال: «سحبت مسدس الشرطة الخاص بي، وقتلت الهاشمي أمام منزله»، بعدما فشل في إطلاق النار من سلاحه الشخصي نوع «رشاش»، ويُعرف محلياً بـ«الغدّارة».

الآن وبعد نحو 3 سنوات ونصف السنة على مقتل الهاشمي في بغداد، بُرِّئ القاتل، بعد أن ذهبت حرارة الحدَث وانتهت حكومة مصطفى الكاظمي الذي أظهر حماسة لمتابعة قضية اغتيال الهاشمي، لكن سيطرت الجماعة على الأمر، واُستلّ «الأخ» الكناني من المشكلة مثل الشعرة من العجين... وانتهت حماسة الكاظمي مع نهاية حكومته.

أما قَتَلَة لقمان سليم في لبنان، فمثلهم مثل قتلة رفيق الحريري، يُذكرون ولا يُرون، مثل خرافات الغول والعنقاء.

الهاشمي وسليم، ذاك في العراق وهذا في لبنان، كلاهما، اجتماعياً، يتحدر من عائلة شيعية عراقية أو لبنانية، وكلاهما على نصيب رفيع من الثقافة، وأرفع من الحسّ الإنساني الوطني، ونصيب أرقى وأنبل من الشجاعة الأخلاقية، فلم يُرهبهما سلاح الميليشيات، ولا شتائم «شبّيحة» الميليشيات، سواء من فصائل «الحشد» في العراق، أو «حزب الله» في لبنان، ومَن يدور في فلكهما.

جاد هشام الهاشمي ولقمان سليم بنفسيهما على مَذبح الوطنية والدولة المدنية، والجود بالنفس أقصى غاية الجود، وبشِّر القاتل بالقتل ولو بعد حين.

دم هشام ودم لقمان، وإن فُرّقا بين قبائل الميليشيات، سيظلّان أقوى من سيوف القتلة، أوليس ذلك معنى قداسة الدم وخلوده إزاء السيف وعقوقه، خصوصاً في الأدبيات الشيعية الحسينية المعروفة؟!

التلاعب بقضية هشام في بغداد، وطي قضية لقمان في لبنان، صفحة مختصرة عن واقع الدولة وقوى الدولة، ومعنى الدولة، في أبسط معانيها.