وائل مهدي
صحافي سعودي متخصص في النفط وأسواق الطاقة، عمل في صحف سعودية وخليجية. انتقل للعمل مراسلاً لوكالة "بلومبرغ"، حيث عمل على تغطية اجتماعات "أوبك" وأسواق الطاقة. وهو مؤلف مشارك لكتاب "أوبك في عالم النفط الصخري: إلى أين؟".
TT

مدن ذكية أم مدن رائعة؟!

استمع إلى المقالة

على «نتفليكس» هناك برنامج اسمه «فليطعم أحدهم فيل»، عن مغامر الأكل (فيل)، الذي يسافر لمدن كثيرة يستكشف أكلها وثقافتها.

في إحدى حلقاته ذكر أن المدينة العظيمة هي التي بإمكانك فيها قيادة الدراجة.

في الحقيقة لخص فيل كل شيء في هذه الجملة عن كيفية التخطيط الحضري للمدن التي ينبغي أن نعيش بها.

للأسف نحن اليوم نتجه وبشدة للتركيز على المدن الذكية بوصفها أساس المستقبل، ولكن ننسى أن أهمية أي مدينة تكمن في توفير ثلاثة عوامل رئيسية لأي إنسان، العامل الأول الثقافة والفكر والإبداع، والثاني فرص العمل والرفاه والعيش، والثالث الصحة الجسدية والنفسية.

المدن الذكية عبارة عن مدن نستخدم فيها التقنية والمعلومات للتخطيط وربط الإنسان فيها بالجهات الحكومية والإدارية التي تدير المدينة.

باختصار شديد، توفر التقنية العالية لن يجعل أي مدينة ذكية، بل طريقة استخدام التقنية هي ما تجعلها ذكية.

ما الذي يجعلني أكتب اليوم عن المدن الذكية؟! بصراحة استمعت للعديد من تصريحات ولقاءات المسؤولين الذين حضروا مؤتمر المدن الذكية العالمي الذي استضافته الرياض، ولم أفهم شيئاً منها عن خططهم لتطوير المدن الذكية في السعودية.

وكل الكلام كان نظرياً جداً عن أهمية المدن الذكية أو أنسنة المدن أو البنية التحتية. لكن لا يوجد شرح كافٍ عن: كيف لمدننا أن تصبح ذكية بالفعل؟ وكل الخطط أراها عامة ولن تساعد المدن السعودية في أن تنافس عالمياً ضمن المراكز العشرة أو العشرين الأولى.

وأكثر ما كنا نسمعه في المنتدى عن تقدم المدن السعودية في قائمة IMD للمدن الذكية من المرتبة 55 في 2019 إلى المرتبة 30 في 2023.

قفزة جميلة ومهمة تعكس تطور البنية التحتية الرقمية في الرياض، ولكنها لا تعني شيئاً كبيراً لشخص يعيش في الرياض ويعاني من الاختناقات المرورية، والتخطيط الحضري الذي لم يتغير كثيراً منذ سنوات.

الرياض نجحت بصورة كبيرة في توفير فرص العمل، وجمع الشركات، وتوفير بنية تحتية رقمية عالية لتسهيل أعمالهم، إلا أن جودة الحياة لا تزال بعيدة جداً عن المنشود، وإذا ما تكلمنا عن الجانب الثقافي والفكري، فالرياض لا تزال بعيدة عن أن تكون مركزاً ثقافياً إقليمياً.

والمدن الذكية بوصفها مفهوماً لم تعد جاذبة كما كانت قبل سنوات، بل أصبحت هناك مفاهيم أكثر جاذبية للمستقبل؛ مثل المدن الإدراكية التي تعمل «نيوم» على بنائها.

نعم أنا فخور بالبنية التحتية الرقمية المتطورة للمدن السعودية وخاصة الرياض، ولكن لا أتوقع أن جودة الحياة فيها تطورت بفضل هذه البنية، ولا أرى كيف لهذه البيانات أن تغير واقعنا والتكدسات والاختناقات.

الأهم من بناء مدينة ذكية، هو بناء مدينة رائعة، والمدينة الرائعة هي مدينة بسيطة يمكن لصاحب دراجة أن يعيش بها ويستمتع بالعيش.

والأهم في نظري أن تكون المدن مراكز ثقافية وفكرية تولد الإبداع وتجذب أصحاب العقول من كل مكان للعيش والاستقرار فيها. ما لم يتوفر هذا العامل، فالبنية التحتية الرقمية لأي مدينة لن تفيد سوى في مؤشرات المدن والإحصاءات.