بعدما استكملنا كمستثمرين جميع متطلبات شراء أحد المصانع في أميركا، نبَّهنا المحامي هناك إلى ملف في غاية الأهمية، وهو تقرير البيئة؛ أي لا بد من انتظار نتائج العينات المخبرية من طبقات الأرض السفلى، للتأكد من أنَّ البائع لم يلقِ بمخلفات تضرُّ البيئة أو تهدد حياة العاملين والمصنع ومنتجاته. ما حدث كان غوصاً في أعماق التربة لتفادي أي مشكلات مستقبلية قد تطفو على السطح.
من هذا المنطلق جاء مؤسس شركة «تويوتا» للسيارات ساكيتشي تويودا بفكرة توجيه خمسة أسئلة متتالية تبدأ بـ«لماذا» لحل المشكلة أو معرفة جذورها. وقد تطورت هذه الطريقة في اليابان خلال القرن العشرين كجزء من نظام «تويوتا» للإنتاج (Toyota Production System)؛ إذ تهدف هذه الأسئلة الوجيهة إلى استكشاف العلاقات السببية الكامنة وراء مشكلة معينة والوصول إلى جذر المشكلة. ومن طرق استخدامها عبر مجسم عظمة السمكة (fish-bone) الذي يشخص المشكلات وأسبابها.
ويمكن طرح أسئلة «لماذا» الخمسة (5-Whys) للمساهمة في حل مشكلات مختلفة. على سبيل المثال، عندما ندخل إلى مقهى عالمي ثم نفاجأ بأنَّ الحليب (أساس المشروبات) غير متوافر. هنا يسأل مدير العمليات بالشركة الموردة مرؤوسيه: لماذا تأخر تسليم الحليب؟ فيقال له: لأنَّ الشحنة غادرت المستودع متأخرة. فيرد: لماذا غادرت متأخرة؟ فيقال له: لأنَّ الطلبات كانت تُجمع ببطء. لماذا جُمعت ببطء؟ فيجيبون: لأنَّ عدد الموظفين لم يكن كافياً. فيسأل: ولماذا هو غير كافٍ؟ فيقال له: لأنَّ عدداً منهم اضطروا إلى أخذ إجازات مرضية. فيرد المدير: لماذا كانوا مرضى؟! فيرد عليه أحدهم بأنَّ الإنفلونزا متفشية في المستودع. هنا يجد المسؤول في المصنع نفسه أمام خيار حتمي، وهو زيادة أعداد العاملين لتكرار هذه المشكلة مع المقاهي المهمة وغيرها.
وروعة الغوص في جذور المشكلة أنه يخترق كل الحواجز الاجتماعية، والمجاملات، والتعتيم، وأنصاف المعلومات حتى يصل بنا إلى لبّ المعضلة. فكثيرون يحاولون حل مشكلة سطحية مثل إزالة رأس جبل جليدي، غير أن المشكلة تبقى كامنة في أعماقه.
ويمكن أيضاً معرفة الخلل في سلوكيات العاملين من توجيه «خماسية لماذا» على النحو التالي:
- لماذا تدنت معنويات الموظفين؟ لأنهم شعروا بالإرهاق.
- لماذا شعروا بالإرهاق؟ لأنهم كانوا يعملون ساعات إضافية بانتظام.
- لماذا عملوا لساعات إضافية؟ لأن المشاريع استغرقت وقتاً أطول من المتوقع.
- لماذا استغرقت وقتاً أطول؟ لأن الجداول الزمنية كانت غير واقعية.
- لماذا كانت جداولهم غير واقعية؟ لأنه لم يؤخذ برأي الموظفين المعنيين عند القيام بعملية التخطيط.
هنا نصل إلى موضع الخلل.
والخلل مثلاً، قد لا يكون في تدني نتائج طلبتنا في الاختبارات العالمية مثل «التيمز» وغيره، بل قد يكمن في المناهج أو أسلوب التدريس. والتسرب الوظيفي قد يعود إلى الحوافز المادية الهزيلة مقارنة بالسوق. وتراجع الإنتاجية قد يقف وراءه الافتقار إلى وجود نظام تقييم أداء شامل وعصري يستند إلى مؤشرات أداء يمكن قياسها، وهكذا.
كل مشكلة يمكن حلها. وكثير من المشكلات قد يبدو سطحياً أو عابراً، لكن التعمق فيها قد يقودنا إلى جذر المشكلة، وهو جوهر الحل المستدام.