استطاع الدكتور سعد الراشد شيخ الأثريين السعوديين أن يكشف عن مدينة أثرية هامة جداً يعود تاريخها إلى العصر الإسلامي المبكر، وهي مدينة الربذة بالمملكة العربية السعودية. وقد كشف فيها عن آثار مسجدين، بالإضافة إلى العديد من آثار القصور والمنازل لكي يكتب لنا بوضوح تاريخ هذه المدينة الهامة، التي تستحق أن يكتب عنها عشرات المؤلفات. واليوم نتحدث عن المنشآت المائية التي كشف عنها الفريق الأثري بإشراف الدكتور سعد الراشد.
اعتمدت مدينة الربذة على مياه الأمطار والسيول والآبار، التي وصل عددها إلى ما يزيد على اثنتي عشرة بئراً في النطاق العمراني للمدينة. وقد استفاد سكان الربذة من البركتين المجاورتين لها، وهما من برك طريق الحج المعروف باسم درب زبيدة، بالإضافة إلى البرك الأخرى التي توجد على امتداد الطريق، وكذلك الآبار الأخرى المحفورة في محيط الربذة، وأيضاً تجمعات المياه في الينابيع والتجاويف الصخرية والأحواض الطبيعية. لكن أبرز ما تتميز به الربذة هو تصميم مستودعات لحفظ المياه، أي خزانات مبنية تحت مستوى أرضيات الغرف والساحات الداخلية والممرات وفي كل الوحدات السكنية. وتثبت هذه الخزانات بطريقة هندسية بديعة، فيصل متوسط عمق الخزان الواحد نحو المترين تحت مستوى الأرضيات. وتملأ هذه الخزانات بإحدى طريقتين؛ الأولى بواسطة أنابيب حجرية أو فخارية صممت بطريقة فنية لتمرير مياه الأمطار الساقطة على أسطح المنازل إلى داخل الخزانات. والطريقة الثانية فيما يبدو بنقل المياه مباشرة من البرك والآبار لهذه الخزانات عند الحاجة في غير مواسم سقوط الأمطار.
لقد أوضح الدكتور الراشد أن تصميم مستودعات حفظ المياه بهذا الأسلوب الهندسي ضمن للربذة الطمأنينة والأمان بتوفير المياه النقية وبوسائل متنوعة، فالماء هو عصب الحياة للإنسان والحيوان، ومادة أساسية لتحضير الأطعمة والدخول في الصناعات وأغراض أخرى عديدة ولا يمكن حصرها، فالماء عنصر الحياة الأول ومن بعده الهواء الذي نتنفسه. ولقد تم الكشف عن عدد كبير من خزانات المياه بعضها على شكل مجموعات، والبعض الآخر إما خزان واحد أو خزانان متقاربان زود بعضها بأنابيب فخارية أو جصية تمتد إلى الخزانات لتوزيع المياه فيها. وزود بعض الخزانات بوحدات ترسيب قبل دخول المياه للخزانات الرئيسية، وقد وصل عدد الخزانات المكتشفة لما يقرب من مائتي خزان، حيث حرص سكان مدينة الربذة على الاستفادة من هذه الخزانات في جميع الفترات والمراحل البنائية للمدينة، وقد اكتشف بعضها تحت مستوى فترات سكنية مبكرة بقيت مستخدمة في الفترات السكنية اللاحقة، وهذا في حد ذاته يعد طفرة هندسية فائقة، وخبرة فريدة لدى المهندسين الأوائل من المسلمين.