هل أصبح أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يمثل خطراً على إسرائيل؟ لم يعد خافياً على أحد تكرار هجوم المسؤولين الإسرائيليين على وغوتيريش، ومساعيهم في كيفية إسكات صوته؛ لأنه أصبح يمثل إزعاجاً، بل دون مبالغة عقبة أمام مواصلة ارتكاب جرائم إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في داخل وخارج غزة. فهو بمنصبه أميناً عاماً للمنظمة الدولية بمثابة صوت الضمير العالمي. مواقفه لا تزعج إسرائيل فحسب بل بعض الدول الغربية التي كانت تدعم مواقف الأمين العام للأمم المتحدة في أزمة حرب روسيا وأوكرانيا بإدانته للغزو الروسي، استناداً إلى قواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، والآن في مواقفه الناقدة، مجرد الناقدة لإسرائيل في ممارساتها ضد الشعب الفلسطيني، وانتهاكها للقانون الدولي الإنساني والعقوبات الجماعية التي تفرضها على المدنيين، خلافاً لاتفاقيات جنيف الأربعة، أصبح شخصاً غير مرغوب فيه في المنظمة الدولية، وهذا على الأقل هو الموقف الصريح للقادة الإسرائيليين ضد غوتيريش. ولحسن الحظ هذه الحملة الإسرائيلية زادته صلابة وشجاعة ليخطو خطوة مفاجأة ونادرة في يوم الأربعاء الماضي بتاريخ 6 ديسمبر (كانون الأول) حين وجه رسالة رسمية غير مسبوقة إلى مجلس الأمن بشأن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، محذراً من مخاطرها على مستوى العالم، كما حذر من أن النظام العام يوشك أن ينهار بالكامل.
وقال غوتيريش في رسالته، إن الحرب في غزة «قد تؤدي إلى تفاقم التهديدات القائمة للسلم والأمن الدوليين»، واعتمد الأمين العام في رسالته على المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة التي هي واحدة من خمس مواد من الفصل الخامس الذي خصصته للأمانة العامة للمنظمة، وحددت فيه مهام الأمين العام، حيث تنص على أنه « يحق للأمين العام أن ينبه مجلس الأمن إلى أي مسألة يرى أنها قد تهدد حفظ السلم والأمن الدوليين». وتأكيداً لدواعي تفادي هذه المخاطر أشار الأمين في رسالته إلى «المعاناة الإنسانية المروعة والدمار المادي، والصدمة الجماعية في شتى أرجاء إسرائيل والأرض الفلسطينية المحتلة»؛ بسبب القتال المتواصل لأكثر من ثمانية أسابيع، ونبه الأمين العام إلى الخطر الجسيم الذي يتمثل في انهيار المنظومة الإنسانية... بما تنطوي عليه من تبعات لا سبيل إلى إزالتها وتغيير مسارها بعيداً عن الفلسطينيين والسلام والأمن في المنطقة. ويجب تفادي هذه النتيجة بأي ثمن.
وقال إن «على عاتق المجتمع الدولي مسؤولية استخدام كل ما في وسعه من نفوذ... لوضع حد لهذه الأزمة»، وحث أعضاء مجلس الأمن على ممارسة الضغط لدرء حدوث كارثة إنسانية، مجدداً مناشدته «للإعلان عن وقف إطلاق النار لدواعٍ إنسانية».
أعطت المادة 93 من الميثاق، وفق ما شدد عليه الأمين العام السابق داغ همرشولد، تحويل منصبه من مجرد مسؤول إداري بحت إلى مسؤول يتمتع بمسؤولية سياسية واضحة، مما جعله بذلك يتميز عما نص عليه نظام عصبة الأمم، من هذا المنطلق مبادرةَ غوتيريش رسالة ذات أبعاد سياسية لافتة وجّهت ضد انتقادات إسرائيل لشخصه، وأيضاً انهار التواطؤ الواضح بين الموقف الأميركي المؤيد تأييداً مطلقاً لإسرائيل لعملياتها العسكرية، برأ كلفتها المدنية والكشف عن الاختلاف بين هذا الدعم المطلق الأميركي لإسرائيل وبقية حلفاء أميركا من الغربيين وبعض الدول العربية. وهذا ما تم فعلاً حدوثه، حيث فشل مجلس الأمن عند فتح باب التصويت يوم الجمعة، في تبني مشروع القرار الداعي إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، وذلك بعدما استخدمت الولايات المتحدة حق النقض «الفيتو». والمهم الإشارة إليه هنا بهذا الصدد أن مشروع القرار الذي هو في الأصل تقدمت به الإمارات العربية المتحدة، حصل على دعم 13 عضواً في المجلس وامتناع عضو واحد عن التصويت هو بريطانيا، الحليفة الكبرى للولايات المتحدة، وهذا أمر مفاجئ وإيجابي أن تحذو هذه الخطوة، كما أن فرنسا الدولة الغربية الثانية صوتت لصالح القرار، وتميزت عن بريطانيا بأنها لم تمتنع عن التصويت. كما لم يكن مستغرباً أن تصوت الصين وروسيا لصالح القرار. وجميل أن بقية الدول العشر غير الدائمين صوتوا لصالح القرار، وهم من دول الجنوب، وبذلك أحيت تضامن دول الجنوب في موقفها ضد إسرائيل.
تدعي الولايات المتحدة أنها مع حل الدولتين، في حين أنها لم تقم مثل فرنسا بإدانة قرار إسرائيل السماح ببناء وحدات سكنية جديدة في مستوطنات القدس الشرقية المحتلة، الأمر الذي اعتبرته فرنسا في تصريح المتحدثة باسم وزارة الخارجية يوم الجمعة أن الحكومة الإسرائيلية تقوض إمكانية إقامة دولة فلسطينية مستقبلية قابلة للحياة. وليس من قبيل الصدف أيضاً في نفس يوم الفيتو الأميركي في مجلس الأمن أن تطلب إدارة الرئيس جو بايدن من الكونغرس الأميركي الموافقة على بيع 45 ألف قذيفة لدبابات «ميركافا» الإسرائيلية، لاستخدامها في القتال في غزة، وتتدعي في الوقت نفسه أنها حريصة على حض إسرائيل للحفاظ على أرواح المدنيين الفلسطينيين.
والسؤال الآن: ماذا يستطيع غوتيريش والمجموعة العربية العمل بعد استخدام الولايات المتحدة حق النقض؟