سليمان جودة
رئيس تحرير صحيفة «الوفد» السابق. كاتب العمود اليومي «خط أحمر» في صحيفة «المصري اليوم» منذ صدورها في 2004. عضو هيئة التحكيم في «جائزة البحرين للصحافة». حاصل على خمس جوائز في الصحافة؛ من بينها: «جائزة مصطفى أمين». أصدر سبعة كتب؛ من بينها: «شيء لا نراه» عن فكرة الأمل في حياة الإنسان، و«غضب الشيخ» عن فكرة الخرافة في حياة الإنسان أيضاً.
TT

باب القمم الثلاث

ليس واضحا إلى الآن، ما إذا كانت حركة حماس قد اختارت اليوم الأول من هذا الشهر، موعدا لإعلان وثيقتها الجديدة، ليتواكب إعلانها مع زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى المنطقة، أم أن الأمر مجرد صدفة لا تدبير وراءها؟!
إن الرئيس الأميركي أتى إلى المنطقة من باب الرياض، في زيارة هي الأولى له، منذ دخل البيت الأبيض في الحادي والعشرين من يناير (كانون الثاني) الماضي، وقد استبقها بكلام عن رغبته في التوصل إلى حل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، يكون - حين يتم - بمثابة صفقة القرن بلا منازع!
وليس معروفا بالضبط، شكل صفقة القرن هذه في ذهن ترمب، لأنه منذ جاء إلى منصبه، وهو يتحدث تارة عن أنه مع حل الدولتين، وتارة أخرى عن أنه لن يضغط على طرف من طرفي الأزمة، من أجل التوصل إلى هذا الحل، ثم تارة ثالثة عن أنه يؤيد حق تقرير المصير لأبناء فلسطين، على حد تعبير مستشاره للأمن القومي، هربرت مكماستر، قبل أيام من زيارته المهمة إلى السعودية.
وسط هذا كله تخرج وثيقة حماس إلى النور، لتقول الحركة من خلالها إنها تقبل بدولة على حدود الرابع من يونيو (حزيران) 1967، وإنها تُسقط أي رابطة بينها وبين جماعة الإخوان، وإنها تتمسك بفلسطين كاملة، أرضا عربية إسلامية عاصمتها القدس، وإنها لا تعترف بإسرائيل، وإنها تتخلى عن كلامها السابق الذي كان يقول إن الصراع ديني مع اليهود، وتراه في وثيقتها الجديدة صراعا مع إسرائيل التي تحتل الأرض، وليس مع اليهود، ولا مع اليهودية بوصفها ديانة سماوية!
والحقيقة أن الوثيقة فيها كلام محترم، خصوصا عبارتها الأخيرة عن سياسية الصراع في فلسطين، لا دينيته، لأن القضية كانت أحوج ما تكون منذ البداية إلى كلام كهذا... كلام يؤكد باستمرار أن أي فلسطيني صاحب أرض محتلة، لا مشكلة عنده مع أي يهودي، إلا أن يكون هذا اليهودي مناصرا لتل أبيب، ومؤيدا لها في اغتصاب أرض ليست لها!
ولا بد أن مثل هذه النبرة في حاجة إلى تكرار منا طوال الوقت، حتى يتبين للعالم أن أصحاب القضية يفرقون بين ما هو سياسي فيها، وما هو ديني، فنضمن بذلك تأييد يهود كثيرين حول العالم، يقفون مع القضية، ولا يؤيدون حكومة إسرائيل فيما تمارسه على الأرض.
غير أن الوثيقة تنطوي على تناقض واضح، لا تعرف كيف فات على الذين صاغوها، ثم على الذين راجعوها قبل إعلانها على الناس... إنها تقول إن حماس تقبل بدولة على حدود الرابع من يونيو 67، ولا تعترف في الوقت نفسه بإسرائيل، كدولة... وهنا على وجه التحديد يقع التناقض، إذ كيف تقام دولة على الحدود المُشار إليها، التي هي حدود إسرائيل بالضرورة، ثم لا تعترف الحركة بها؟!
إن السؤال المنطقي هو: إلى جوار ماذا سوف تقوم الدولة الفلسطينية، التي تقبل حماس بحدودها، إذا لم تكن ستقوم إلى جوار إسرائيل؟!
ليس هدفي أبدا، أن أطالب جماعة خالد مشعل، بالاعتراف بإسرائيل، ولا أنا أريد أن أستنطق منها ما لم تذكره في وثيقتها، ولكني فقط أريد أن أشير إلى أن حكاية القبول بدولة حدودها كذا، لا تمشي منطقيا مع قصة عدم الاعتراف في مقابلها، اللهم إلا إذا كانت حماس أرادت أن يُفهم أمر الاعتراف ضمنا، لا صراحة، وهذا ما لا يمكن القطع به في كل الأحوال، ويظل إذا صح، في خانة التخمين ليس أكثر!
وإذا كان مشعل قد وصف وثيقته يوم إعلانها، بأنها حصيلة تطور داخل حماس، وعلامة انفتاح على العالم من حولها، ودليل قراءة جيدة للواقع الذي يعيشه الفلسطينيون، وتعيشه المنطقة، فهذا التقديم صحيح في حدوده، ولكن الأصح منه كله، أن الانفتاح الحقيقي، والتطور الفعلي، والدليل الذي ليس بعده دليل على حُسن قراءة الواقع، يتحقق فعلا بإنهاء الانقسام بين فتح وحماس، فلا تصبح هناك حركتان فلسطينيتان، ولكن حركة واحدة، ولا يصير هناك صوتان يتحدثان باسم فلسطين، ولكن صوت واحد، وهكذا... وهكذا... إلى آخر ما يمكن أن يقال في هذا الباب، إعلاء للقضية فوق كل الأشخاص!
إنني أتصور الرئيس الأميركي جادا في رغبته في التوصل إلى حل، وأتصوره راغبا حقا في أن يعقد صفقة القرن التي تحدث عنها، أثناء لقائه مع الرئيس السيسي في البيت الأبيض في الثالث من أبريل (نيسان) الماضي، ثم أخشى في النهاية أن يتعطل كل شيء في آخر لحظة، لأن إسرائيل ستقول، عندئذ، إنها تقبل بما توصل إليه ترمب، ولكنها لا تعرف ما إذا كان رأي الرئيس عباس في الصفقة، هو نفسه رأي مشعل، أم أن لهما رأيين؟!
الإسرائيليون يعرفون كيف يلعبون على هذا الوتر جيدا، ويجب ألا ننخدع في رأيهم في الوثيقة، ولم يكن مطلوبا من حماس في وثيقتها إلا أن تقطع عليها هذا الطريق، وإلا أن تضعها أمام اختبار لحقيقة نياتها، وإلا أن تجعل من الوثيقة إنهاء لوضع، لا تكريسا لانقسام!
قمم الرياض الثلاث لا بد أن تكون بابا إلى الحل النهائي، ولن يكون ذلك ممكنا، إلا إذا خرج الانقسام الفلسطيني من الباب ذاته.