فاي فلام
TT

أهمية الإجماع العلمي

أجل، تحدث الأخطاء الجماعية. ولكن إذا كان أي شيء مهماً، فإن التاريخ يؤكد على صعوبة إجماع العلماء في المقام الأول.
إن اللحاق بالقطيع ليس من المناهج العلمية المعتمدة. ولكن المهم هو اتباع الأدلة والبراهين. وهذا يفسح المجال إلى مزيد من الغموض في تفسير نتائج المسوح واستطلاعات الرأي التي تظهر أن 97 في المائة من علماء المناخ يوافقون على حقيقة الاحترار العالمي، وأن الغازات الدفيئة التي تنبعث من البشر هي من الأسباب الرئيسية فيه. وتوافق الأكاديمية الوطنية للعلوم، والجمعية الفيزيائية الأميركية، والجمعية الكيميائية الأميركية، وغيرها من المنظمات العلمية ذات الصلة، على ذلك أيضا.
وبالنسبة لبعض منها، يؤكد هذا الإجماع على أن التغيرات المناخية حقيقة واقعة، وأنه لا بد أن يتخذ البشر التدابير العاجلة في مواجهتها. ولكن هناك هيئات أخرى، تستشهد بالتاريخ، وتقول إن الرؤية الجماعية قد أخطأت من قبل. فما الذي يدعونا إلى تصديقها الآن؟ على سبيل المثال، اعتقد العلماء ذات مرة بأن الأرض تتجه نحو العصر الجليدي من جديد. ولذا، فلماذا نثق بهم عندما يقولون إن الكرة الأرضية تزداد سخونة؟
إن النظر في كتب التاريخ وبعض من الأحاديث الجانبية مع المؤرخين، يشير إلى أن علماء الماضي لم يكونوا من أصحاب الآراء المتقلبة كما يحاول البعض أن يصورهم. وليس هناك أي تناقضات بشأن مسألة الاحترار العالمي قصير الأمد والدورة طويلة الأمد من العصور الجليدية، على سبيل المثال.
وفي كتابه المعنون «اكتشاف الاحترار العالمي»، يقول المؤرخ سبنسر ويرت إنه في القرن التاسع عشر، كان هناك اعتقاد عام ومشترك الكوكب سوف تضبط درجة حرارته. ولقد تسبب الفهم المتزايد من وجود فترات طويلة من العصور الجليدية القديمة في الإطاحة بهذا المفهوم، وبدأ العلماء في إدراك أننا قد نواجه عصراً جليدياً مقبلاً خلال بضعة آلاف من السنين. (وتشير التقديرات الأخيرة إلى أن العصر الجليدي المقبل سوف يكون بعد 50 ألف سنة من المستقبل).
تقول ناعومي أوريسكيس، المؤرخة العلمية من جامعة هارفارد، إن الناس يعتقدون في إمكانية التبريد العالمي على المدى الزمني القريب. والجسيمات الضبابية الدخانية يمكنها حجب أشعة الشمس بالدرجة الكافية لتبريد الأرض. وفي منتصف القرن العشرين، وبعيدا عن الاعتقاد بأن الرب سوف يضبط درجة حرارة الأرض، تناقش العلماء حول أي المعتقدين سوف تكون له الغلبة: التبريد الضبابي الدخاني أم الاحترار العالمي الناجم عن الانبعاثات الغازية. ومع تزايد العلم والمعرفة، أدرك العلماء أن الاحترار سوف تكون له الهيمنة. وقالت السيدة أوريسكيس إن الفكرة القائلة بأن هناك إجماعاً علمياً يتنبأ باقتراب العصر الجليدي من كوكب الأرض ليست إلا فكرة كاذبة.
ومن الأمثلة الأخرى الشائعة على قابلية وقوع العلم في الأخطاء تتعلق بالانجراف القاري. وفي هذه الحالة، تلقى العلماء مزيداً من اللوم لفشلهم في قبول النظرية، والتي طرحت أول الأمر في عام 1912 على أيدي ألفريد فيغنر، وتبدو واضحة المعالم في وقت متأخر - عليك فقط النظر إلى كل تلك العلاقات البانورامية على خريطة العالم. ولقد تطور المفهوم العام، وأصبح معروفا باسم الصفائح التكتونية، ولقد استرعى أخيرا على الاهتمام والقبول واسع النطاق في ستينات القرن الماضي.
ولكن ما بين نظرية فيغنر والستينات، تبنى العلماء مجموعة موسعة من الآراء ووجهات النظر التي كانت تؤيد ما يجري في القارات، كما تقول السيدة أوريسكيس التي ألفت كتابين حول هذا الموضوع. فلقد اعتقد بعض العلماء أن القارات تتحرك بصورة عمودية أو أفقية فقط، أو ربما هي لا تتحرك إلا بقدر طفيف للغاية. وكان هناك جدال قائم، ولكن من دون إجماع موحد للآراء، كما قالت.
ولقد طُرحت نظريتا الاحترار العالمي والصفائح التكتونية في عقود قبل أن تتحول إلى إجماع من الآراء العلمية المعتبرة. ولقد فهم العلماء في أوائل القرن العشرين إمكانية أن يؤدي حرق الفحم إلى ارتفاع درجة حرارة الغازات الدفيئة. ولكن لم يكن هناك إجماع للآراء حتى أظهرت التجارب أن ثاني أكسيد الكربون كان يتراكم في جو الأرض، وأن درجة حرارة الكوكب كانت في ارتفاع مستمر وتقترب فعلياً من المعدلات المتوقعة. وعلى نحو مماثل، لم يكن فيغنر يعرف كيف تتحرك القارات. ولقد اكتشف العلماء في نهاية المطاف أن القارات كانت تتجول على صفائح ضخمة من القشرة الأرضية وأن الحركة ناشئة عن الحمل الحراري للمواد أسفل هذه القشرة.
وإذا كان أي شيء مهماً، إلا أن التاريخ يظهر مدى صعوبة الحصول على توافق جديد للآراء حول العلم. ولقد اقترح العلماء كثيراً من الآراء الخاطئة - من الانصهار البارد وحتى العلاقة بين التوحد وأمصال الطفولة. ولكن هذه ليست من أفكار الإجماع العلمي، إذ إن الأفكار الخاطئة التي تدخل في أذهان المجتمعات العلمية لا يكون منشأها لدى العلماء، بل هي جزء من الثقافة السائدة، أو أنها تجسد المواقف الثابتة قبل أن يطور العلماء من نظريات أفضل للتفسير.
ولننظر في الأمثلة التي ظهرت قبل بضع سنوات ماضية عندما نشر موقع «ذي إيدج» هذا السؤال على مجموعة من العلماء والمثقفين: إن الأرض المنبسطة والعالم المرتكز هي أمثلة من المعتقدات العلمية الخاطئة التي استمرت لفترات طويلة من الزمن. فهل يمكنك ذكر المثال المفضل لديك لماذا كانت هذه المعتقدات مستمرة كل هذه الفترة من الزمن؟
إن الأرض المنبسطة ليست من الأفكار التي تعود بأصلها إلى العلماء. قبل وقت طويل من وجود العلماء المحترفين، أدرك الفلاسفة القدامى أن الكوكب كان كرويا. ويمكن الحصول على نسخ مطولة من ذلك الاعتقاد من كتب تاريخ العلوم جيدة التأليف. مثل كتاب «تفسير العالم» بواسطة ستيفن وينبرغ، أو نسخة سريعة وموجزة من موسوعة ويكيبيديا. وتسمية هذا المعتقد بـ«العلمي» هو مثل تسمية الإيمان بالرب «الإيمان العلمي».
وتنطلق فكرة العالم المرتكز صوب المشكلة ذاتها. فهي من المعتقدات الاجتماعية - أو المعتقدات الدينية - وهي تعكس ما كانت عليه الأمور من هذا الواقع وحتى أولئك الذين لم يتلقوا أدنى قدر من التعليم بخلاف ذلك. وكان العلماء هم من أثبتوا الأمر في نهاية المطاف. ومن مقوضات العلم أن نصف العلماء السابقين بالمخطئين لأنهم لم يكونوا يعرفون ما اكتشفناه في وقت لاحق عليهم.
اعتقد علماء الفيزياء على نحو خاطئ في مادة غير مرئية تسمى «الأثير المضيء» - وهي الفكرة التي تعود بجذورها حتى عهد أرسطو واعتنقها إسحاق نيوتن. ولكن لم يكن ذلك سوى امتداد لمعتقدات الوضع القائم بأنه لكي تكون هناك موجة، فلا بد من وجود مادة للخروج بالموجة من الماء أو الهواء أو الصوت، أو حتى الضوء. وفي نهاية الأمر، أشارت التجارب إلى أن مادة «الأثير» غير موجودة بالأساس، وأظهرت نظرية أينشتاين للنسبية الخاصة أن موجات الضوء يمكنها السفر عبر الفضاء الفارغ. ولم تكن فكرة مادة «الأثير» من الأفكار الغبية - بل كانت تجسد خطوة وسيطة على مسار إدراك طبيعة الضوء.
ومن بين الأفكار الخاطئة المثيرة للاهتمام والتي ظهرت في مناقشة ساخنة على موقع «ذي إيدج» حيث تدور حول سلسلة الوجود الكبير: وهي فكرة فلسفية تقول بتكدس كل شيء - البشر، والحيوانات، والنباتات، والأجسام - في نظام تراتبي، من الدرجات الدنيا وحتى الدرجات العليا. ولقد ألقي بتلك الفكرة في سلة المهملات، واقتُرح بدلا منها أن الحياة بأسرها ناشئة عن أصل مشترك، وأن المخلوقات كافة تطورت في الأساس عن الفترة الزمنية نفسها. ولقد ظهر توافق الآراء العلمية حول هذه الفكرة بسبب تواصل تراكم الأدلة المؤيدة لها.
وعلى نحو مماثل، وحتى القرن العشرين، كان هناك اعتقاد سائد حول المناخ، والذي أعرب عنه السيد ويرت بهذه العبارة المستمدة من كتابه: «من الصعوبة بمكان أن يتصور المرء الأعمال البشرية، التافهة للغاية عند مضاهاتها بما في الكون، بإمكانها الإخلال بتوازن الكوكب بأسره... ولقد كان هذا هو الاعتقاد السائد، والعلماء هم أعضاء من المجتمع الواسع، ويتشاركون معهم في أغلب الافتراضات الناشئة عن ثقافتهم». إن فكرة التوازن الطبيعي الخيرة لها بعدها العاطفي - كمثل نظرة الخلق سواء بسواء - ولكن إن اتخذنا من التاريخ مرشداً لأي شيء، فإن الأموال الذكية تستند بالأساس إلى الرؤى القائمة على العلم والتي حلت محلها منذ زمن.
*بالاتفاق مع «بلومبيرغ»