ليزا موناكو
مستشارة قانونية سابقة للرئيس باراك اوباما و كاتبة من خدمة: «نيويورك تايمز»
TT

الجبهة المقبلة في حرب أميركا على «داعش»

مر أكثر من عامين على بداية الحملة التي قادتها الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش، وعلى إخلاء مدينتي الموصل العراقية والرقة السورية من السكان، وبات تحقيق النصر وشيكاً. لكن منذ أعلن قائد التنظيم أبو بكر البغدادي عن تأسيس «دولته» من فوق المنبر بمسجد بمدينة الموصل عام 2014، نجح التنظيم في الاستيلاء على ثماني مناطق على الأقل في عدة دول حول العالم.
تعتبر شمال أفريقيا المورد الأول لمقاتلي تنظيم داعش، حيث يمثل المقاتلون الوافدون من تلك المنطقة الحصة الأكبر من إجمالي عدد منتسبي ذلك التنظيم الدموي الذي يقدر بنحو 40 ألف مقاتل، ناهيك بأعضاء تنظيم القاعدة في سوريا.
ويجب أن تدفع الاتجاهات الجديدة المقلقة في مصر وليبيا وتونس الحكومة الأميركية للتركيز على مواجهة التوسع العالمي لداعش، وعلينا أن نثير السؤال التالي: ما استراتيجية الولايات المتحدة التي تضمن أن تطور الأوضاع بصورته الحالية في العراق وسوريا ليس مشهد البداية لمسرحية كبيرة بطلها هذا التنظيم؟
فمصر وليبيا على وجه الخصوص قد يمثلان نقاطاً حرجة لتنظيم داعش ووجودها العالمي. ففي مصر، يبدو أن التنظيم يستخدم اللعب الذي استخدمه سلفه «القاعدة» في العراق.
على الولايات المتحدة أن تشعر بالقلق من تكرار هذا السيناريو في مصر، أكبر الدول العربية من حيث عدد السكان. وعلى مدار السنوات القليلة الماضية، اتجهت سياسة الولايات المتحدة إلى تقديم الدعم الأمني الذي لا يخلو من المعايرة، وفي الوقت نفسه التعبير عن الإدانة الصريحة لانتهاك الحريات هناك. على سبيل المثال، دعمت إدارة أوباما حرب مصر على المتمردين في منطقة سيناء الحيوية، وفي الوقت نفسه منعت مبيعاتها العسكرية عن مصر، وعبرت صراحة عن قلقها حول حقوق الإنسان.
يمكن القول إن هذا التوازن لم يكن سليماً، فكان الموقف سيصبح أكثر تأثيراً لو أن ذلك صاحبه تعزيز للمساعدات في مواجهة الإرهاب. وعبر الحدود الليبية، استطاع تنظيم داعش استغلال حالة الفوضى التي ضربت البلاد في السنوات الخمس التي أعقبت سقوط معمر القذافي لتؤسس هناك أحد أقوى فروعها. وبفضل الضربات الجوية الأميركية دعماً للقوات الموالية للحكومة، أزيح التنظيم عن معقله بمدينة سرت الساحلية العام الماضي. وفي الأسابيع الأخيرة من حكم أوباما، قام الجيش الأميركي بتوجيه ضربات لمنع التنظيم من إعادة حشد صفوفه.
غير أن الولايات المتحدة تخشى الانزلاق إلى الخلف بعد أن حققت تقدماً ملحوظاً في حال نفذ الرئيس ترمب ما ذكره في تصريحه الأخير من أن الولايات المتحدة لن تلعب دوراً في ليبيا. فليبيا لا تزال ينقصها وجود حكومة موحدة في الوقت الذي يسعى فيه خليط من منتسبي تنظيمات داعش والقاعدة والميليشيات المستقلة والشبكات الإرهابية إلى جني مكاسب على الأرض. وحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً لا تسيطر سوى على مناطق محدودة من البلاد، بعد أن عصفت بها الطوائف المتحاربة في شرق وغرب البلاد. فالقوات الموجودة شرقاً، تعمل على تأكيد وجودها في المنطقة.
واعترف الرئيس باراك أوباما بأن الفشل في التخطيط ليوم ما بعد سقوط القذافي كان خطأً كبيراً، بيد أن حكومته قادت جهوداً دولية لدعم حكومة الوفاق الوطني وعملت بشكل مدروس على عدم الميل تجاه طرف ضد آخر في الحرب الأهلية الليبية.
وبعيداً عن تصريح ترمب بأن «الولايات المتحدة لن تلعب دوراً في ليبيا»، على الولايات المتحدة أن تستغل نفوذها مع حلفائها الأوروبيين وشركائها في الخليج لإيجاد حكومة شرعية وتعزيز حكم القانون في ليبيا. فإن فشلت في تحقيق ذلك، فستكون ليبيا سوريا أخرى في هذا الوقت من العام المقبل.
ليس هناك دولة معرضة لتأثير الفراغ الأمني في ليبيا مثل تونس التي شهدت مولد الربيع العربي. فرغم أن تونس قد صاغت دستوراً جديداً وأصبح بها مجتمع مدني مزدهر، فقد أصبحت أكبر موردي المقاتلين الأجانب لـ«داعش»، حيث يقدر عدد التونسيين في التنظيم بنحو 7 آلاف مقاتل. قد تمثل تونس الأمل الأكبر في وجود ديمقراطية مستقرة في المنطقة، لكن في ظل ضعف الاقتصاد وانتظار عودة آلاف «المتطرفين»، فتونس في انتظار أن تصبح وجهة التوسع المقبلة لـ«تنظيم داعش». وبسبب الحدود غير المحكمة مع ليبيا، ستكون تونس الوجهة المقبلة لطوفان المسلحين، والدليل على ذلك أن المسلحين الذين تلقوا تدريبهم في معسكرات داخل ليبيا تمكنوا من تنفيذ أسوأ هجوميين إرهابيين شهدتهما تونس في السنوات الأخيرة.
ولكي نمنع تونس من الانزلاق في فوضى تشبه ما يجري في ليبيا، أنفقت إدارة أوباما أكثر من 750 مليون دولار أميركي لدعم الاقتصاد التونسي منذ عام 2011، ومنحت تونس مزايا تجارية، وأعلنت تونس حليفاً رئيسياً لحلف شمال الأطلسي (الناتو). كذلك عملت الولايات المتحدة على دعم الشراكة بإنشائها مركزاً لمكافحة الإرهاب في تونس وبتقديم برامج للتدريب على حماية ومراقبة الحدود. يمكن لتونس أن تمثل سنداً مؤثراً لمنع توسع «داعش» بمنعه من إيجاد ملاذٍ آمن له في شمال أفريقيا، لكن ذلك مشروط بتعزيز إدارة ترمب لتلك الجهود، تحديداً مساعدة قوات أمن الحدود بتقديم الطائرات من دون طيار (درون).
فقد تنظيم داعش الكثير من قدراته في العراق وسوريا، فإن أرادت الولايات المتحدة تعزيز نجاحها هناك بتوجيه ضربة قاصمة أخيرة لهذا التنظيم، علينا أن ندخل الآن في شراكة حقيقية مع شركاء الولايات المتحدة في شمال أفريقيا، وإلا فستكون الظروف مواتية لظهور بالغ القوة لذلك التنظيم هناك.

*خدمة: «نيويورك تايمز»