إنعام كجه جي
صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس.
TT

مارين وجيهان وبن علي

«هل تتصورين أن هناك قرابة بين جيهان السادات ومارين لوبان؟».
السؤال من صديقة عربية مقيمة في كندا، لها اهتمامات واسعة بقضايا الأنساب والهجرات والتزاوج بين القبائل والطوائف والتبادل بين الثقافات. وهو ما يطلق عليه المتثاقفون «التلاقح». وبعد الاستفسار عن سبب السؤال، هطلت على بريدي مجموعة مقالات منشورة في صحف مختلفة، عربية وفرنسية، تتناول أصل وفصل عائلة لوبان، منذ كان جدّها الأكبر نطفة في رحم أمه إلى يومنا هذا الذي تقف فيه الحفيدة على قاب قوسين من احتمال السكن في «الإليزيه».
في أحد المقالات المطولة، يشرح خبير أنساب أن أصل عائلة جان ماري لوبان، والد مارين ومؤسس حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف، يعود إلى محارب تونسي يدعى بن علي، كان جندياً في جيش القائد العربي عبد الرحمن الغافقي، والي الأندلس. ومعروف أن الوالي الأموي كان قد وصل بجيشه إلى مدينة بواتييه، جنوب فرنسا. وهناك واجه قوات الفرنجة بقيادة شارل مارتيل، في خريف 732. وانتهت المعركة التي عرفت، فيما بعد، ببلاط الشهداء، بخسارة المسلمين وانسحابهم. ويبدو أن عدداً قليلاً من المقاتلين بقي في الأراضي الفرنسية واشتغل أجيراً في الزراعة واستقر فيها. ومن أولئك المحارب بن علي. وبحسب خبير الأنساب، فإن واحدة من بنات الفرنجة أحبّت الأجير العربي الأسمر شديد البنية وتزوجا وخلّفا أولاداً وأحفاداً. وفيما بعد، اعتنق بعضهم المسيحية أو اليهودية وحذف «علي» من اسم العائلة واختصره إلى «بن». ثم أضافوا له «أل» التعريف بالفرنسية، «لو». صار الاسم «لوبان».
بهذا تكون مرشحة حزب الجبهة الوطنية لرئاسة فرنسا، سليلة جدّ مسلم من عائلة بن علي. وليس من المستبعد أن تكون هناك قرابة بين الرئيس التونسي السابق زين العابدين وبين المرشحة المتعصبة التي تتوعد المهاجرين المسلمين بإجراءات قاسية في حال فوزها. ومثل كل المرشحين الطامعين في أصوات الفرنسيين المسلمين، تكرّمت وضمّت بعضهم إلى طاقمها ومساعديها. وهو ما يسميه أهل اللغة ذرّ الرماد في العيون. وبينهم من التحق بها طواعية. ولهؤلاء تسمية أخرى ليس من المناسب ذكرها.
طوال الأيام الماضية انشغلت وسائل الإعلام العربية بحكاية الجدّة القبطية لمارين لوبان. ونقلوا عن المرشحة الفرنسية أن جدتها من عائلة مخاليف التي سكنت الإسكندرية. ويقال إنها ولدت في الصعيد وعاشت ردحاً في أسيوط. وجاء في أصل العائلة أنها من مالطا. وقد انتقلت إلى الساحل المصري مثل آلاف العائلات اليونانية والأرمنية والقبرصية والشامية والإيطالية وغيرها. يوم كانت الإسكندرية أزهى من باريس ونيويورك. فإذا كانت مارين تحمل بصمات صعيدية وإسكندرانية أيضاً، ما دخل جيهان، قرينة الرئيس المصري الأسبق أنور السادات، بهذه الشوربة؟
تلفت الصديقة المقيمة في كندا نظري إلى أن والدة السيدة جيهان كانت من مالطا وتحمل الجنسية البريطانية. يعني؟ هل تكفي هذه المعلومة لأن يكون بينها وبين عائلة مخاليف قرابة دم؟ هنا تتدخل شكوك تشبه في هلوساتها نظرية المؤامرة. مفادها أن هناك شبهة تستحق النبش والاستقصاء والتأكيد. ومصدر الشبهة أن لمارين لوبان ثلاثة أبناء، كبراهم بنت تدعى جيهان. وهو اسم غير شائع للبنات في فرنسا.
لا أدري لماذا يستبشر بعضنا بهذه «الاكتشافات». فحتى لو كانت مارين «أُمّ جيهان» من بنات إسكندرية، أو من سليلات بن علي، أو طفلة أنابيب، فإن هذا لن يهز شعرة شقراء في مفرقها أو يخفف من الطفح الذي يصيب بشرتها الحساسة عند ذكر العرب والمسلمين.