د. آمال موسى
أستاذة جامعية مختصة في علم الاجتماع، وشاعرة في رصيدها سبع مجموعات شعرية، ومتحصلة على جوائز مرموقة عدة. كما أن لها إصدارات في البحث الاجتماعي حول سوسيولوجيا الدين والتدين وظاهرة الإسلام السياسي. وهي حالياً تشغل منصب وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن في الحكومة التونسية.
TT

هل فعلاً انتهى الأمر في تركيا؟

رد رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم على الأحزاب المعارضة التي رفضت نتائج الاستفتاء في تركيا بأن الشعب قال كلمته وانتهى الأمر، وذلك في سياق رفض اللجنة العليا للانتخابات في تركيا الطعون التي تقدمت بها بعض الأحزاب المعارِضَة التي شكَّكَت في نزاهة الاستفتاء.
السؤال الذي يفرض نفسه أمام هذا الجدل هو: هل بالفعل الأمر قد انتهى وربح إردوغان اللعبة؟
أول نقطة أعتقد أنها أصبحت محل إجماع عند النخب السياسية الحاكمة في العالم اليوم، وأيضاً النخب العامة والرأي العام، أنه لا أحد قادر اليوم على الحسم في قراءة مستقبلية واضحة وموثوق فيها. كل شيء مفتوح على سيناريوهات متناقضة. ومن ثمَّ، فإن الحديث عن نهاية الأمر أو بدايته مسألة نسبية جداً، خصوصاً أن النسبة التي تحصّل عليها إردوغان لا تؤهل أي أحد لإنهاء الأمر، فالرجل صحيح أنه تحصَّل على إذن شعبي للقيام بالتعديلات التي يريدها على الدستور، ولكن هذا الإذن متواضع في قاعدته الشعبية، ويجب ألا نحمِّلَه أكثر من معانيه ودلالته.
بل إن هذا الإذن الشعبي النسبي جداً هو بمثابة سلاح ذي حدين.
طبعاً هذا التوصيف لا يمنعنا من القول بكل موضوعية إن إردوغان قد كسب جولة جديدة من جولاته التي انتصر فيها إلى الآن، فالرجل سياسي براغماتي يعرف كيف يفرق خصومه ومتى يرفع سقف المطالب والأفكار عالياً. وهذه للأمانة ميزة ليست في متناول الجميع، خصوصاً في هذه المرحلة التي تقلَّص فيها عدد السياسيين من أصحاب الحنكة والدهاء.
فالموضوعية تقتضي الاعتراف بأن نتائج الاستفتاء، وإن كانت لم تجلب له الانتصار الساحق، ونسبة عالية من الموافقين على إجراء تعديلات دستورية، فإنه لا يمكن الإنكار أن تلك النتائج قد حملت الفوز على علاته لإردوغان. وهو ما يضعف الأحزاب المعارضة في الوقت الراهن وما سيقويها مستقبلاً يضعفها، لأن الشعب فعلاً قال كلمته، والدعوة إلى انتخابات مبكرة لن تؤتي أكلها، ولن تستطيع المعارضة التركية تغيير الواقع الآن، في حين أنه لو لم يعرف إردوغان كيف يتعامل مع هذا الفوز الضئيل في نسبته، فإنه لا شيء يؤكد أن الأمر انتهى على حسب كلام رئيس الوزراء بن علي يلدريم،
ونعني بذلك أن في السنوات الخمس الأخيرة تحديداً قد ضربت تركيا بشكل متتالٍ تجربتها في مجال تقديم أنموذج إسلامي حديث في الحكم والتصورات والطموحات، فالحريات ما زالت مهدَّدَة في تركيا، وكما يقال ضيق إردوغان على معارضيه وقام بردود فعل أظهرت ميلاً إلى الانفراد بالحكم، فالمعارضة في تصاعد ولو بشكل غير مؤثر فعلياً. ويبدو أن الموقف المساند الذي وجده في محاولة الانقلاب الذي تعرض له في العام الماضي عِوَض أن يستثمره إردوغان في إصلاحات تُعيد له جاذبية سنوات صعوده الأولى، فإنه اختار توسيع امتيازاته وتقوية صلاحياته في القضاء والجيش والبرلمان.
لا شك في أن الاستفتاء آلية ديمقراطية أيضاً، ولكن موضوعات تعديل الدستور ليست لصالح تركيا الحريات والفصل بين السلطات، خصوصاً أن إردوغان بهذه الطريقة التي تنتصر للنظام الرئاسي يكون بصدد الانقلاب على طبيعة النظام الذي أوصل حزبه للحكم والسلطة.
صحيح أن صلاحيات إردوغان التنفيذية ستقوى جداً، ولكن عيون العالم ستكون عليه وبهذا الاستفتاء تكون تركيا قد منحته آخر فرصة لامتلاك الحكمة، وعدم الزج بها في ديكتاتورية ما قبل أكثر من ثلاثين عاماً.
كما أن التوترات في المنطقة لن تساعد إردوغان على الحذر والحكمة، حتى وإن كانت تهنئة روسيا وإيران له بالفوز في الاستفتاء ذات دلالة. ذلك أن الحراك الحاصل في الأزمة السورية لم يبُحْ بأسراره، والسر الوحيد الذي يجمع ويفرق دول المنطقة وأطراف التوتر هو ما يسمى تقاطع المصالح الظرفية، لا أكثر ولا أقل.
من جهة أخرى، نعتقد أن ما يشغل بال الأحزاب المعارضة وكل من يشعر بالقلق على مستقبل الديمقراطية في تركيا هو: إلى أي حد يمكن أن تؤثر الصلاحيات التنفيذية التي سيمنحها الدستور بعد التعديل لإردوغان على الانتخابات المقبلة في 2019؟! وهل المستقبل السياسي قد تمت حياكته على مقاس ووجود وطرائق فوز حزب العدالة والتنمية مهما كانت الظروف المقبلة؟!