نيكولاس كريستوف
TT

ترمب كان محقاً في ضرب سوريا

ربما كانت الضربات الصاروخية التي وجهها الرئيس ترمب ضد سوريا ضربات دعائية وربما كانت نتيجة دوافع سياسية بحتة.
ولكن الأهم من ذلك كله أنها كانت «صواباً».
إنني أحمل قلقاً حيال سياسات الرئيس ترمب، ولكنني أعتبره على صواب في هذه الحالة، وأعتبر باراك أوباما على خطأ. وبكل تأكيد، يعتقد الكثيرون في واقع الأمر أن أكبر أخطاء سياسة باراك أوباما الخارجية كانت سلبيته العقيمة حيال سوريا. ولكن الرئيس ترمب تكمن من تغيير مؤشر السياسة الأميركية 180 درجة بعد الصور المريعة التي ظهرت للأطفال المصابين جراء الهجوم الكيماوي في سوريا. فهل ينبغي لقرارات الرئيس الأميركي أن تعتمد فقط على الصور الملتقطة للهجوم؟
وإليكم الأسباب التي أعتقد من خلالها أنه على صواب في ضربته الصاروخية الأخيرة.
منذ فظائع غاز الخردل في الحرب العالمية الأولى قبل قرن من الزمان، كان أحد أكثر المعايير الدولية نجاحاً في العالم هو حظر استخدام الأسلحة الكيماوية. ولدينا جميعاً مصلحة مشتركة في تعزيز هذا المعيار الدولي، ولذلك فإن الأمر لا يتعلق بسوريا فحسب، ولكنه يتعلق أيضاً بردع الديكتاتور التالي من استخدام الأسلحة الكيماوية ضد أبناء شعبه.
بالنسبة للمؤسسة العسكرية المنهكة، فإن الغاز السام يعد من الوسائل الملائمة لترويع وإرهاب السكان. ولهذا السبب استخدم صدام حسين الغاز السام ضد الأكراد في عام 1988، وهو السبب نفسه لاستخدام بشار الأسد الغاز السام ضد شعبه في سوريا. وأفضل طريقة للعالم لتغيير الحسابات توضيح أن استخدام الأسلحة الكيماوية سوف تكون له عواقب وخيمة، مثل الضربة العسكرية الأميركية على القاعدة الجوية السورية.
ومن المفارقات، ربما قد استخدم بشار الأسد الأسلحة الكيماوية، لأنه تلقى الضوء الأخضر في ذلك من إدارة الرئيس ترمب. ففي الأيام الأخيرة، قال كل من ريكس تيلرسون وشون سبايسر ونيكي هالي إن السياسة الأميركية غير معنية برحيل الرئيس الأسد عن السلطة في سوريا، وقد تشجع بشار الأسد إثر تلك التصريحات لفتح صندوق الأسلحة الكيماوية لديه. هذا الخطأ قد ألزم الرئيس ترمب بأهمية إظهار أنه لا الرئيس الأسد، ولا أي زعيم آخر يمكنه الإفلات من جريمة استخدام أسلحة الدمار الشامل.
أما بالنسبة للأطفال في سوريا، فمن غير المهم إذا كان الموت يأتي من برميل متفجر، أو قذيفة هاون، أو رصاصة طائشة، أو غاز أعصاب سام. ولكنني آمل أن يُظهر الرئيس ترمب مزيداً من الاهتمام بوقف كل المذابح السورية - ولكن لا يزال من المهم الدفاع عن المعيار الدولي ضد استخدام الأسلحة الكيماوية (ولقد قوضت الولايات المتحدة من تطبيق هذا المعيار الدولي، بعد هجوم الأسلحة الكيماوية الذي شنه صدام حسين، بعدما أشارت بصورة غير صحيحة إلى أن المسؤولية تقع على عاتق إيران في ذلك).
ويشير النقاد إلى أن الضربات الصاروخية التي أمر بها الرئيس ترمب لا تستند إلى أسس قانونية واضحة. ولكن تدخل الرئيس بيل كلينتون في عام 1999 للحيلولة دون وقوع الإبادة الجماعية في كوسوفو كان يفتقر أيضاً إلى الأسس القانونية المسوغة، وإننا نشكر الله أنه اتخذ هذا القرار. ولقد قال الرئيس كلينتون إن أكبر أخطائه في مجال السياسة الخارجية هو عدم التدخل في رواندا خلال الإبادة الجماعية عام 1994، وكان أي تدخل من هذا القبيل سوف يفتقر بطبيعة الحال إلى الشرعية الواضحة، غير أنه الشيء الصحيح الذي يجب القيام به.
وهناك مخاطر ماثلة على الطريق، من روسيا أو من سوريا من حيث استهداف الطائرات الأميركية، أو من إيران التي تسعى للانتقام من الوجود الأميركي في العراق. نادراً ما تتجاوز خطط الحرب مرحلة الضربة الأولى، والتدخلات العسكرية أسهل من حيث البداية، ولكنها أصعب من حيث النهاية. ولكن ما دام أننا لا نسعى إلى إسقاط نظام السوري عسكرياً، فلدى كل طرف مصلحة في تفادي التصعيد على الأرض.
كثير من زملائي التقدميين يعارضون وبحزم أي استخدام للقوة العسكرية، ولكنني أعتقد أن هذا خطأ واضح. كنت معارضاً للحرب على العراق، ولكن بعض التدخلات العسكرية تنقذ كثيراً من الأرواح. إن منطقة حظر الطيران في شمال العراق التي أقيمت في عقد التسعينات هي أحد الأمثلة على ذلك، تماماً كما كان التدخل العسكري البريطاني في سيراليون، والتدخل العسكري الفرنسي في مالي. فمن الحكمة أن نشعر ببعض القلق والشكوك حيال التدخلات العسكرية الخارجية، ولكن من غير الحكمة والصواب أن نعارض أي استخدام للقوة العسكرية بشكل قاطع.
أتريدون إثباتاً بأن التدخلات العسكرية في منطقة الشرق الأوسط يمكن أن تنجح؟ في عام 2014، أمر الرئيس السابق أوباما بشن الهجمات الجوية ضد مواقع تنظيم داعش الإرهابي بالقرب من الحدود السورية - العراقية، حيث كان التنظيم يهاجم أفراد الأقلية اليزيدية هناك. وتلك الضربات الأميركية تمكنت من إنقاذ آلاف الأرواح من أهل الطائفة اليزيدية، على الرغم من أنها جاءت متأخرة كثيراً لإنقاذ مزيد من آلاف الأرواح الذين تعرضوا للقتل أو الاختطاف والبيع كعبيد.
وفي سوريا، يدور السؤال الحاسم حول ما الذي سوف يحدث بعد ذلك.
هناك بعض الكلام الجريء بين السياسيين حول الإطاحة بالرئيس بشار الأسد من سوريا. أحقاً يقولون؟ لقد ظل الناس ينتظرون إسقاط ورحيل الأسد لمدة 6 سنوات كاملة، فهو لا يزال راسخ الأقدام كما كان دائماً.
وأخيرا، إن كانت هذه الضربة لمرة واحدة فقط، فمن المتوقع أن تستمر المذابح في سوريا وإلى أجل غير مسمى. ولكنني يحدوني الأمل في أن الإدارة الأميركية قد تستخدمها كأداة للدفع من أجل الوصول إلى وقف إطلاق النار.
* خدمة «نيويورك تايمز»