د. كريم عبديان بني سعيد
ناشط حقوقي ومهتم بقضايا إيران
TT

حرب إيران الإعلامية الكبيرة

ليس خفياً على أحد أن النظام الإيراني يتبنى استراتجية واضحة المعالم في المنطقة ويسعى من خلالها للتوسع وتعزيز نفوذه ونشر آيديولوجيته خارج حدوده الجغرافية، وأن الدول العربية هي المستهدف الأول لهذه الاستراتيجية. وبغية تحقيق هذه الغاية يعمد النظام إلى استخدام وسائل عملية مختلفة عسكرية وطائفية وسياسية. ولكن يرى النظام الإيراني في الإعلام أداة فعالة تمهد الطريق لتحقيق طموحاته عبر السعي لكسب قلوب وعقول أبناء الشعوب في الشرق الأوسط وما هو أبعد من ذلك. لهذا فإنه يستثمر جهوداً وأموالاً كبيرة في مجال الإعلام. ومن أجل تحقيق ما يرنو إليه، يبذل النظام الإيراني مبالغ طائلة لتشغيل ماكينته الإعلامية في الداخل والخارج، حيث اضطر النظام مؤخرا إلى الكشف عن ميزانيته، بعد انتشار تقارير تحدثت عن مبالغ كبيرة خصصها للإذاعة والتلفزيون. هنا نشر إلى مؤسسة إعلامية إيرانية أخذت حصتها من الميزانية الإيرانية تزداد في الآونة الأخيرة، وهي هيئة الإذاعة والتلفزيون، أي المؤسسة الرئيسية التي تدر الإعلام الإيراني بمجمله. بهذه المؤسسة 46.000 موظّف بدوام كامل، وهناك عشرات آخرون بدوام جزئي، وتبلغ مزانتها 7.1 مليار دولار أميركي، وتمتلك الهيئة جامعة تضم مختلف الكليات وعدّة مدارس مهنيّة تدرب الكوادر وتؤهلهم قبل دخولهم العمل. وفي عام 2015 أنتجت هذه المؤسسة نحو 60.763 ساعة من العمل الإعلامي الموجه إلى داخل إيران وإلى الخارج.
ولهيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية 21 مكتبا في مختلف عواصم العالم، من ضمنها القاهرة وبيروت ودمشق، بالإضافة إلى بلاد عربيّة وإسلاميّة أخرى. كما لديها 30 قناة فضائيّة تبث برامجها على مدار الساعة وبشكل يومي من خلال 12 قمرا صناعيا أجنبيا، بالإضافة إلى 13 محطّة إذاعية تبث برامجها يوميا دون انقطاع لكافة أنحاء العالم بمختلف اللغات، وأهمها الإنجليزيّة والفرنسيّة والعربيّة والرّوسيّة والإسبانيّة والتركيّة والكردية والأوردو، ناهيك عن برامج بلغات أفريقية من قبيل الهوسا والسواحيلي.
كما لدى الماكينة الإعلامية الإيرانية عدّة قنوات تلفزيونية ناطقة بالعربية والإنجليزية تدرها جماعات تابعة لها، من قبيل تلفزيون «العالم» الناطق بالعربية، و«برس تي في» الناطق بالإنجليزية، في المقابل لا توجد قناة تابعة لدولة عربية ناطقة بالفارسية تقوم بالتصدي للدعاية الإيرانية عبر نقل الصورة الحقيقية إلى 75 مليون مشاهد إيراني، وكذلك إلى باقي الشعوب الناطقة بالفارسية في أفغانستان وطاجيكستان وجنوبي أوزبكستان.
تضم شبكة المحطات التلفزيونية قنوات العالم، برس تي في (الناطقة بالإنجليزية)، سحر 1 و2 و3. وجام جم 1 و2 و3 (المختصة بمخاطبة الإيرانيين في أوروبا وأميركا)، والكوثر (الناطقة بالعربية) والأفلام (تبث أفلاما مترجمة للفارسية والعربية والإنجليزية) وسبان تي في (باللغة الإسبانية)، وسحر (تبث برامجها باللغات العربية والفارسية والإنجليزية والإسبانية والبوسنية والتركية والآذرية والفرنسية).
أما فيما يتعلق بالمحطات الإذاعية، فتمتلك إيران في هذا القطاع نحو 30 محطة إذاعية تبث بثلاثين لغة مختلفة، هي الإنجليزية والبوسنية والألبانية والإيطالية والعربية والألمانية والتركية والروسية والطاليشية (قومية في شمال إيران وجمهورية أذربيجان) والأوزبكية والدارية (الفارسية الأفغانية) والتركية الآذرية والعربية والألمانية والفرنسية والسواحيلية والبشتو والإيرانية والفارسية الطاجيكية والصينية والآرامية واليابانية والهندية والبنغالية والأردية والإسبانية والكردية والجورجية والتركمانية. وكل واحدة من هذه المحطات تمتلك موقعا إلكترونيا للأخبار باللغة الخاصة بها. وهناك محطات إذاعية وتلفزيونية لا يكشف عن أسمائها، وتكون مرحلية وخاصة، تخضع مباشرة لإدارة وإشراف وحدات العمل الخارجي في حرس الثورة الإيراني، وتحديدا فيلق القدس، وتكون مهمتها أمنية، ولا يحق للموظفين الذين يتم اختيارهم للعمل فيها الحديث أو الكشف عن طبيعة عملهم أو عمل وهدف المحطة التي يعملون فيها. وقد تم تخصيص منطقة معزولة داخل الحرم الأمني لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون تضم مباني لهذه المحطات، بحيث لا يحق لأي موظف في المؤسسة الدخول إليها ما لم يكن من العاملين فيها.
وفي هذا الخضم من الواضح أن دول مجلس التعاون الخليجي وبالتحديد المملكة العربية السعودية هي الأكثر عرضة للحملة الإعلامية الإيرانية وحربها الدعائية الموجهة، الأمر الذي يشكل تهديداً خطيراً على الاستقرار والتنمية الاقتصادية والسلامة المجتمعية فيها. وتستهدف الماكينة الإعلامية الوحدة الشعبية وسلامة أراضي الكثير من البلدان العربية، بما في ذلك مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية وسوريا واليمن ولبنان والعراق وغيرها، وتحاول زعزعة أمنها واستقرارها وبث الطائفية فيها والدعاية لصالح الميليشيات التابعة لها. مع هذا، فقد أطلق انشغال الدول العربية بشؤونها الداخلية العنان لإيران أن تشغل ماكينتها الإعلامية للتأثير على الشعوب العربية، ومن جهة أخرى تواصل عمل الحكومات الإيرانية المتعاقبة لغرس الأفكار والرؤى الشوفينية المعادية للعرب في أذهان المواطنين الإيرانيين.
إيران التي تسخر ماكينتها الإعلامية لإثارة النعرات الطائفية والقومية في دول الجوار هي في واقع الأمر دولة متعدّدة اللّغات والثّقافات والمذاهب، ولكن تتخذ من المذهب الشيعي والقومية الفارسية أساسا للحكم وتقمع أبناء سائر المذاهب والقوميات، لذا فأي حملة إعلامية مضادة موجهة للداخل الإيراني ينبغي أن تأخذ هذا الأمر بعين الاعتبار، لأن هذا التنوع بات نتيجة للقمع يشكل نقطة ضعف النظام الإيراني بدلا من أن يكون نقطة قوة، عليه لو تم استغلال أي جهة معادية لنظام الحكم في طهران هذه النقطة بإمكانه أن يردع النظام الإيراني، ولكن أكرر لا توجد أي مؤسسة إعلامية عربية كانت أم أجنبية موجهة للشعوب والثقافات المتعدّدة في إيران، على أقل تقدير في مجال الدفاع عن الدّيمقراطيّة والعدالة. وحقوق الإنسان.