سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

عن الجامعة العربية: بغيرة ومحبة

اللقاء مع عمرو موسى، فيه دوماً، حداثة الحكمة. أو تجددها. وعمل نحو نصف قرن في الدبلوماسية والسياسة زاده أملاً، لا يأساً، بعكسنا جميعاً. وهو يرى أن العرب سوف يخرجون من المرحلة المأساوية الحالية إلى مستقبل حقيقي، لأن النزاع نزاع أنظمة، لا شعوب. ومثاله على ذلك كيف هبَّت الناس، في كل مكان، إلى التعاضد والتعاطف مع بائع الثمار التونسي، محمد بوعزيزي. لكنها مرحلة صعبة، في كل حال، وفي كل مكان.
ترى لماذا لا تفكر الجامعة العربية، التي تمرّ هي أيضاً، بأزمة وجودية، في إقامة مجلس، أو هيئة حكماء، تجتمع دورياً لكي تقدم إلى الحكومات الحالية خلاصات الخبرة الماضية ودروسها؟ هناك مهن لا علاقة لها بالتقاعد.
تستطيع الجامعة أن تحقق تغيراً جوهرياً في أدائها، إذا استعانت بـ«مؤتمر دائم» للرجال والسيدات الذين لهم كفاءات تتعدى أحكام الوظيفة. وأقرب نموذج إلى ذلك الدكتورة ريما خلف، التي خرجت من «الإسكوا» مرفوعة الرأس، كبيرة الخبرة، ميدانياً وعلمياً.
بدل أن نعاتب الجامعة، أو نترحم عليها، لماذا لا نبحث عن وسائل تطويرها وجعلها ضرورية، إن لم يكن فعّالة. أي جعلها جسماً يتجاوز خلافات الأعضاء وصراعات النفوذ ومرحلية النزاعات، إلى الأداء على مستوى دولة دائم. وبذلك، تتوسع أيضاً «هوية» المقر من دون تغييره. ولا يعود مدى حيوية الأمانة العامة مرتبطاً بشخصية الأمين العام. وقد عاشت الجامعة أكثر العهود حيوية في ظل عمرو موسى، الذي أعطاها صورة الحركة والعمل والمحاولة، بعكس سمعتها على أنها مجمَّع بيروقراطي عام، يمثل مجموعة مجمّعات بيروقراطية متفرقة.
حتى الآن تخضع الجامعة لرتابة تنظيمية لا تتغير: يتحول سفير مصري إلى وزير للخارجية، ويتحول الوزير إلى أمين عام في مبنى ميدان التحرير. مقر إداري يعد المؤتمرات، ويهيئ صيغ القرارات، ويداري الاصطدام بالجدران القديمة والأعمدة الجديدة. لا تستطيع الجامعة أن تعطينا أكثر مما نعطيها. لكن من أجل بقائها، يجب أن تكون صورتها أفضل من أحوالنا. يجب أن نبحث لها عن دور أكثر أهمية إذا استحال الدور الأكثر فعالية. كمثل أن يلحق بها دوماً مجلس إدارة، أو حكماء، أو هيئة استشارية، تضم على الدوام، الأمناء السابقين، ورجال الدبلوماسية العربية المشهودين كالأمير تركي الفيصل، وفاروق الشرع، وجان عبيد، ومحمد الصقر، وعبد الله بشارة، ومحمد بنعيسى، والمنصف المرزوقي، ومن غفلته ذاكرتنا أو معرفتنا.