أنس العبدة
* رئيس الائتلاف الوطني السوري
TT

ثورة الحرية نحو عامها السابع

دخلت الثورة السورية عامها السابع، تاركة خلفها ست سنوات غيّرت وجه سوريا والمنطقة، بل والعالم أيضاً، سنوات ست مرت فيها السنة تلو الأخرى مليئة بالمصاعب والتحولات، ورغم ذلك، ورغم القتل والإرهاب والتهجير والاعتقال والإجرام بمختلف أشكاله؛ فقد ظل الثابت الوحيد هو صمود الشعب السوري وإرادته من أجل الانتصار، وعلى الرغم من اختلافات وآراء متنوعة على جبهة الثوار، فإن المحور الوحيد الذي تلاشت عنده كل الخلافات، والتقت تحت ظله جميع الغايات، كان ولا يزال وسيبقى الحرية والعدالة والكرامة لكل مواطن سوري.
مسيرة الثورة مستمرة، ولن تتوقف أو تنتهي قبل تحقيق أهدافها، قد تتغير الوسائل، قد تتغير الوجوه السياسية، قد تتعرض المسيرة لانتكاسات أو انتصارات، إلا أن انتصار الشعب، كحال سائر الشعوب حتمية تاريخية لا يمكن الالتفاف عليه، وسقوط الظالمين والمستبدين والطغاة جزء لا يتجزأ من تلك الحتمية.
وإذا كانت الحرية والعدالة والكرامة، عناوين الثورة ومبادئها الأصيلة، فإن هناك عقبات عدة لا يمكن تجنبها أو تجاوزها، قبل تحقيق تلك العناوين والأهداف، لا بد من إسقاط سلطة الاستبداد، إسقاط الأسد وإبعاده عن التحكم في مصير الشعب السوري، لن يكون بالإمكان الانتقال بسوريا من الحال التي هي فيها، إلى أي وضع أفضل، دون إنهاء النظام وإسقاطه.
في السياق نفسه، فإن تحقيق الحرية والكرامة لا يكفي دون ضمان العدالة، إن محاكمة كل من أجرم بحق الشعب السوري، بدءاً بالأسد وصولاً إلى كل من قتل المدنيين؛ أمر لا مناص منه. فالجرائم ضد الشعوب لا تسقط بالتقادم، والحرية حق للأحرار لا المجرمين، ولا يمكن للمستقبل أن يكون آمناً في عالم يتجول فيه بحرية مجرمون استخدموا السلاح الكيماوي.
لكن المجتمع الدولي يواجه امتحاناً حقيقياً في مخاطبة الوضع السوري، ولا يزال فشله في التعاطي مع هذا الملف مستمراً؛ ما يساهم في تعقيد الحلول مرة بعد أخرى، ولا تزال فاتورة الفشل تسدد من دماء السوريين الأبرياء، وتستمر السياسة الدولية في التحرك بما يخدم مصالح قصيرة الأمد، فرغم التركيز الإعلامي والخطابي على «الإرهاب»، فإن الخطوات العملية الرامية إلى محاربته واجتثاث جذوره وتجفيف منابعه والأنظمة الراعية له، لا تحظى بالأهمية والجدية الكافية. أمر يحمل في طياته بذور أزمات أخرى، ويفتح الباب أمام كوارث أكبر.
إن مواجهة الأزمات والمشكلات التي تعترض طريق البشرية اليوم، ليست مهمة اختيارية، بل مصيرية، لا بد من بذل كل الجهود الممكنة لإنجاحها في أسرع وقت. الغد سيتحول إلى مكان لا يمكن لأحد أن يعيش فيه ما لم تتم مواجهة وقائع اليوم بعقل ووعي.
ولا بد من التنبيه بكل وضوح، أن «الإرهاب» في حد ذاته هو الوجه الحقيقي للأنظمة التي ترعاه وتستخدمه؛ فبعد فشلها في مواجهة العالم بلغة العصر، ها هي أنظمة بعينها تبتز المجتمع الدولي، ترهب العالم بالإرهاب، تستخدمه سلاحاً «حقيقياً» لتحقيق ما فشلت في تحقيقه بوسائل أخرى، ثم تجني من وراء كل ذلك مكاسب سياسية ونفوذاً أوسع. لم تعد الحرب استمراراً للسياسة بوسائل أخرى، بل بات الإرهاب هو الوسيلة التي تختارها تلك الأنظمة لتمرير سياساتها، دون أن يدرك باقي أطراف المجتمع الدولي مقدار الخطر الذي سيترتب على الخضوع لهذا الابتزاز.
هل من حاجة اليوم، ونحن نبدأ عاماً سابعاً من ثورة أسطورية، إلى التأكيد من جديد أن منشأ الإرهاب في سوريا والمنطقة هو نظام الأسد، ما الثمن الذي يجب على السوريين أن يدفعوه، قبل أن يدرك العالم حجم الشر الكامن في هذا النظام والنظام الإيراني الواقف خلفه والداعم جرائمه، النظام الذي لم يتعرض حتى اليوم لأي هجمات من تنظيم داعش؟
ما الثمن الذي يتوجب على الشعب السوري أن يدفعه قبل أن يعي العالم خطورة السكوت على الخرق المستمر للقانون الدولي، وبخاصة أن هناك مقعدين دائمين في مجلس الأمن يمتلكان حق الفيتو، ويستخدمان في حماية الأنظمة الإرهابية والاستبدادية في العالم، فيما تعجز بقية المقاعد عن توفير أي قدر من الحماية للشعب المطالب بالحرية، الشعب الذي ساهم قبل 70 عاماً في تأسيس المنظمة الدولية ووضع ميثاقها!
مهما يكن من أمر، ومع بدء عام سابع من عمر ثورتنا ضد نظام الأسد، وبعد تجارب طويلة ومريرة مع المجتمع الدولي؛ بات انتظار أي حل معقول أو تنفيذ لأي قرار أو وعد أو تهديد؛ أمراً غير ذي بال بالنسبة للسوريين، الذين لم تعد أمامهم اليوم خيارات سهلة، إنهم أمام واقع دولي لا مجال لإنكاره ولا لغض الطرف عن جزء منه، ولا مجال أمامنا نحن السوريين اليوم، أن نتوقع حلولاً لا نختارها ونفرضها بأنفسنا.
نحن نطالب بوقف القتل وبإطلاق سراح المعتقلين وخروج القوى الخارجية المحتلة كافة التي تقاتل ضد السوريين، لتعود سوريا لأهلها وطناً حراً موحداً مستقلاً.
نحن ندعم الهدنة ونلتزم بها، ندعم الحل السياسي، نحن مع القرارات الدولية، نحن مع الانتقال السياسي، وتم تأكيد كل ذلك في الجولة الأخيرة من المفاوضات في جنيف، لا شيء مما يطالب به السوريون مستحيل أو تعجيزي. المطلوب هو عملية انتقال سياسية تتمتع بالمصداقية، تقدم للسوريين مدخلاً نحو هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات، تلتزم مبادئ بيان جنيف والقرارات الدولية؛ تمهيداً لإتمام انتقال سياسي جدير بتضحياتهم، انتقال يفتح الباب أمام إنهاء الفوضى الهائلة التي خلقها النظام، برعاية ومشاركة إيرانية، في مسعى لإرهاب العالم وابتزازه وإخضاعه.
بالنسبة للسوريين لم يعد هناك شيء خارج إطار الممكن، والمعركة مفتوحة ما بين الشعب السوري من جهة، ونظام الأسد وإيران من جهة أخرى، وكل الوسائل المشروعة ستكون خياراً مطروحاً، وستتحقق أهداف السوريين وسيعيشون حقوقهم واقعاً على الأرض، سواء جرى ذلك في خطوة واحدة أو على مراحل متعددة من النضال.
يسعى السوريون إلى أن يتوقف سيل الدماء اليوم، وأن يطلق سراح المعتقلين قبل الغد، وأن يعي العالم حجم الكارثة قبل فوات الأوان، وأن يساهموا في فرض الحل السياسي العادل الملتزم بقرارات الأمم المتحدة، وما لم يحدث ذلك، فإن دماء السوريين ستتحول إلى لعنة سيدفع العالم كله ضريبة سفكها والسكوت عنها.
* رئيس «الائتلاف الوطني السوري»