خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

مغامرات مارك توين

بعد أن تناولت شيئاً من طرائف وحكايات الكاتب الأميركي الشهير مارك توين، حكمت على نفسي بالعودة إليه والخوض في أعماله. وما أقصده في «مغامرات مارك توين» هو في الواقع روايته الشهيرة «مغامرات توم سوير»، وهو ذلك الصبي النزق الذي غمر القراء بطرائفه. وكما اشتهرت الرواية ببطلها توم سوير، اشتهر توم سوير بالسياج الذي انهمك في صبغه. وغدا سياج توم سوير عند الأميركان مثل أجراس نوتردام عند الفرنسيين. وأصبح السياج أثراً يسهرون على الاحتفاظ به وصبغه سنوياً لمتعة السياح الذين يفدون خصوصاً إليه لمشاهدته. وأصبح صبغ السياج حكمة في تحويل الكدح إلى أنس.
كان الصبي توم صبياً نزقاً فعاقبته عمته بصبغ سياج الحديقة. فحوّل هذا الشغل إلى متعة وطرفة. زاره صديقه بن فراح يسخر منه. «مسكين توم! عليك أن تقضي اليوم في هذا العمل الوسخ! أنا ذاهب للسباحة. ولكن آه! أنت اليوم لا تستطيع أن تأتي معي. عليك شغل!
- ما هو الشغل الذي تتكلم عنه؟ ربما هو شغل. ولكنني لا أجده كذلك. إنني أستمتع به.
- اعترف وقل الحقيقة! الحقيقة هي أنك لا تحب هذا الشغل.
- لا أدري لماذا لا أحبه؟ أيحصّل أي صبي فرصة لصبغ سياج حديقة كل يوم؟!
ألقت هذه الكلمات ضوءاً جديداً على الموضوع. يتوقف بن عن أكل تفاحته ليراقب توم واستمتاعه بضربات الفرشة. يتراجع للوراء ليعاين براعة عمله. يعود ويضع لمسة أخرى من الفرشة هنا وهناك. يراقب بن ذلك فيزداد اهتماماً.
- توم دعني أقوم بالصبغ قليلاً بدلاً منك.
- كلا! كلا! هذا غير ممكن. عمتي دقيقة جداً في صبغ السياج وتريد إنجاز العمل بدقة وأحسن صورة. لا يوجد واحد بين كل ألف إنسان يستطيع صبغ السياج بالشكل الأنيق المطلوب.
- هكذا؟ تعال توم. أرجوك. دعني أجرب. لو كنت أنا في مكانك لسمحت وأعطيتك الفرصة.
- أقسم لك بأن عمتي لن ترضى. صديقنا جم عرض عليها صبغ السياج ورفضته. سيدني أيضاً عرض عليها ورفضته. هذه مشكلتي، فلو أعطيتك الفرشة وأخطأت في الصبغ...
- أقسم لك بقيامي بالعمل بكل اعتناء. سأعطيك ما سيبقى من تفاحتي إذا سمحت لي.
- كلا بن! أرجوك. لا تحاول إحراجي...
- أعطيك التفاحة بكاملها.
تبدأ المساومة فيسلّم توم الفرشة لبن ويجلس جانباً يأكل التفاحة ويؤرجح رجليه راضياً. بعد قليل جاء آخرون وأخذوا يعطون توم شتى الهدايا ليسمح لهم بصبغ السياج قليلاً. إنه مشهد رائع في فهم نفسية الأطفال، بل ونفسية الأميركان.