فؤاد مطر
أحد كتّاب الرأي والتحليل السياسي في «الشرق الأوسط» ومجلة «المجلة» منذ العام 1990 وقبلها عمل صحافياً وكاتباً في «النهار» اللبنانية و«الأهرام». نشر مجلة «التضامن» في لندن وله 34 مؤلفاً حول مصر والسودان والعراق والسعودية من بينها عملان موسوعيان توثيقيان هما «لبنان اللعبة واللاعبون والمتلاعبون» و«موسوعة حرب الخليج». وثَّق سيرته الذاتية في كتاب «هذا نصيبي من الدنيا». وكتب السيرة الذاتية للرئيس صدَّام حسين والدكتور جورج حبش.
TT

دبلوماسية الجنادرية

دائمًا هنالك تسمية يطلقها معشر الصحافيين والكتَّاب وأهل الفكر ورموز التيارات الثقافية والدينية، الذين يشاركون في فعاليات «المهرجان الوطني للتراث والثقافة»، الذي أراده في بداية الأمر قبل 33 سنة الملك عبد الله بن عبد العزيز، رحمة الله عليه، وكان ما زال وليًا للعهد رئيسًا للحرس الوطني، سِباقًا للهجن هذه السفينة الصحراوية الحاضرة على الدوام في قرائح النبطيين من شعراء المملكة العربية السعودية ودول الخليج عمومًا، ثم عملاً بقاعدة التطوير من أجل ألا يبقى المهرجان في إطاره المحلي، وجَّه بأن يصبح مهرجانًا للثقافة والتراث. والتقى في رؤيته هذه مع أخيه الملك فهد بن عبد العزيز، الذي دعم، رحمه الله، التوجه، وعلى نحو ما نراه من جانب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز بعدما كان الملك عبد الله رحل تاركًا هذا الإرث التراثي المتمثل في ثلاثين دورة يعقدها المهرجان، ويضفي على رونق فعالياته الحرص الملحوظ من جانب الأمير متعب بن عبد الله بن العزيز.
التسمية التي يمكن إطلاقها على الدورة الواحدة والثلاثين «مهرجان الثقافة والتراث»، المعروف اختصارًا «الجنادرية»، هي أنها كانت دورة البدء باستعادة متدرجة للوهج الذي كانت عليه العلاقة السعودية - المصرية التي تأثرت باجتهادات من جانب أطياف في مصر، من دون أن يستوقف هذه الأطياف أن العتب السعودي على ما صدر من ألسنة وأقلام مصرية لا ينحصر في الإطار الرسمي؛ ذلك أن العتب على المستوى الشعبي كان هو الآخر حاضرًا في مشهد رد الفعل.
جاءت الدورة الواحدة والثلاثون «الجنادرية» بمثابة نافذة تتنفس من خلالها العلاقة السعودية – المصرية، وبحيث لا يبقى الاحتقان في الصدور على حاله. وعملاً بالتقليد المتبع منذ «الجنادرية» الثالثة والعشرين، ويتمثل بدعوة دولة صديقة لتكون «ضيف الشرف» للدورة، كانت الدعوة التي زكَّاها الملك سلمان الحادب كما إخوانه من قبل على مصر، وبالذات في ضرّائها وشدتها، ووجَّهها وزير الحرس الوطني رئيس اللجنة العليا للمهرجان الأمير متعب بن عبد الله بن عبد العزيز، إلى الحكومة المصرية لتكون «ضيف الشرف» للدورة الواحدة والثلاثين؛ وبذلك تنضم إلى سبع دول بعد تركيا كانت كل منها «ضيف الشرف». وهذه الدول هي: روسيا، فرنسا، اليابان، كوريا الجنوبية، الصين، دولة الإمارات العربية وألمانيا. وقد شاركت هذه الدول من دون أن تكون هنالك ملامح أزمة في العلاقات مع السعودية؛ مما يعني أن مصر جاءت وفي النية التوقع بطي صفحة العتب السعودي، أو كمرحلة أُولى التمهيد لطي هذه الصفحة تمهيدًا لإزالة مسببات العتب خلال انعقاد القمة العربية الدورية يوم 28 مارس (آذار) 2017 في الأردن، والتي ينشط الملك عبد الله الثاني من أجل أن يشارك جميع القادة العرب في هذه القمة، آملاً أن يكون انعقادها على ضفاف البحر الميت مناسبة لمرحلة من صفاء العلاقات العربية – العربية، ومنها العلاقة السعودية - المصرية.
خلال أيام «الجنادرية» السبعة لقي الوفد المصري (ضيف الشرف) للمهرجان من الجانب السعودي اهتمامًا أخويًا من شأنه أن يثمر في حال ردت الأطياف المصرية على هذا الانفتاح الأخوي عليها بما يجعل الطريق سالكًا أمام إعادة الدفء إلى العلاقة.
ما أكتبه حول «دبلوماسية الجنادرية» أو «دبلوماسية المهرجانات التراثية والثقافية» ينطلق من شعور بالتمني في أن تشكل العلاقة السعودية – المصرية، وبالذات في هذه الظروف الشديدة الصعوبة التي تعيشها الأمة، رافعة لانتشال الأوضاع من الذي انتهت إليه. وهنا يجد المرء نفسه يتذكر أي آمال طيبة لدى أبناء الأمة بعد المبادرة النوعية التي قام بها الملك عبد الله بن عبد العزيز، ثم المبادرة التي تمثلت بزيارة الملك سلمان لمصر، وما رافق الزيارة من مبادرة تعزز التي سبقتها.
ويبقى من الحديث حول «الجنادرية 31» استحضار نظرة استباقية وردت في «جنادرية» ماضية، وينطبق محتوى كلماتها على واقع الحال الراهنة.
ونخلص إلى القول إن المأمول من «دبلوماسية الجنادرية» أو «دبلوماسية المهرجانات الثقافية أو التراثية» على نحو ما خطت خطوتها الأُولى، هو المزيد من السعي لرأب التصدعات. فالدول العربية والإسلامية التي تعيش أزمات تراوح حدتها بين الخطر والأخطر كثيرة، وربما من شأن تقليد «ضيف الشرف» تضييق هامش الأزمات، أو في الحد الأدنى تمهيد الطريق. والله مع الساعين إلى سواء سبيل بين المؤزِّمين والمتأزمين.