كارا ألايمو
TT

متى ينبغي للشركات دخول المعترك السياسي؟

على امتداد شهور انطلقت حملة بعنوان «امسك محفظتك» والتي حثت المستهلكين على مقاطعة عشرات الشركات، بما فيها «إل إل بين» و«ماكيز» و«بلومينغديلز» و«زأبوز» و«أمازون». وجرى سرد «الخطايا» التي اقترفتها هذه الشركات بدقة عبر الموقع الإلكتروني للمجموعة، منها بيع منتجات تحمل علامة ترمب التجارية أو مشاركة عضو في مجلس إدارتها في جمع أموال لحساب ترمب. كما تضمن معلومات اتصال لكل من الشركات المطلوب مقاطعتها.
وقد وجدت الكثير من الشركات الأخرى نفسها محصورة داخل حملات سياسية مناهضة لترمب. الشهر الماضي، انطلق «هاشتاغ» عبر «تويتر» يدعو المستهلكين إلى إلغاء تطبيق «أوبر» بعد اتهامات طالت الشركة بمحاولة التربح من إضراب سيارات الأجرة المناهض لترمب داخل مدينة نيويورك. وبالفعل، حذف أكثر من 200 ألف مستخدم حساباتهم اعتراضا على سياسة الشركة.
بيد أنه في الوقت ذاته، من الممكن أن يترتب على إثارة سخط أنصار الرئيس ذات القدر من الخطورة، ففي وقت سابق من العام قاطع خصوم ترمب سلسلة متاجر «نوردستروم» لعرضها منتجات إيفانكا ترمب. وفي وقت لاحق، عندما توقف «نوردستروم» بالفعل عن بيع المنتجات، أطلق أنصار ترمب حملة مقاطعة له. من جانبها، تلقي الشركة باللوم على هذه الحملة عن تراجع مبيعاتها. كما تصدر
«هاشتاغ» «قاطعوا ستاربكس» «تويتر» بعدما أعلن الرئيس التنفيذي للشركة عزم الشركة على تعيين 10 ألف لاجئ، في تحد للرئيس وسياسة حظر السفر التي ينتهجها.
ودفع كل ذلك الشركات للتساؤل حول ماهية المواقف التي ينبغي لها اتخاذها تجاه القضايا السياسية، وهل المكافآت التي تنالها من حيث السمعة تستحق خوض مخاطرة الوقوف في وجه رد الفعل العكسي المحتمل؟ من جانبي، أنصح الشركات بأن تطرح على نفسها سؤالين كي تحدد لنفسها على أساسهما الإجابة عن التساؤل السابق.
أولاً: هل ثمة صلة مباشرة بين القضية السياسية المطروحة ولب النشاط التجاري للشركة، أو ما وصفه هيليو فريد غارسيا، رئيس «لوغوس كونسلتينغ غروب»، بـ«القيم الراسخة والمعلنة» للشركة؟
جدير بالذكر، أن دراسة أجرتها شركة «ويبير شاندويك» بالتعاون مع «كيه آر سي ريسرتش» توصلت إلى أن عددا أكبر من الأفراد ينظرون إلى التصريحات السياسية الصادرة عن رؤساء تنفيذيين للشركات على نحو إيجابي عندما تتعلق بقضايا على صلة مباشرة بعملهم. إلا أنه عندما تتحدث الشركات عن سياسات لا صلة لها واضحة بشؤونها التجارية، فإن عددا أكبر يميل للنظر إلى الأمر على نحو سلبي.
في هذا الصدد، قالت ليزلي غينز روس، مسؤولة التخطيط الاستراتيجي، فيما يتعلق بالسمعة التجارية لدى «ويبير شاندويك»: «كشفت أبحاثنا أن المستهلكين لا يتفهمون على الفور لماذا يقدم رئيس تنفيذي لمؤسسة ما على الحديث علانية عن قضية غير ذات صلة مباشرة بلب النشاط التجاري للمؤسسة. للوهلة الأولى، يظن الناس أن الرؤساء التنفيذيين يحاولون اجتذاب مزيد من الاهتمام الإعلامي أو بيع المنتجات. لذا؛ يجب أن تكون الصلة بالنشاط التجاري صريحة وواضحة، ومنبثقة عن قيم الشركة على نحو يمكن الشخص العادي من تفهم السبب وراء إقدام الشركة على اقتحام مثل هذه القضية الشائكة».
وعليه، فإنه على سبيل المثال بدأ من المنطقي أن تتحدث شركات التكنولوجيا ضد حظر الهجرة الذي فرضه الرئيس بالنظر إلى اعتمادها في عملها على مواهب دولية. في هذا الصدد، قال غارسيا إن التدخل بالتعليق على مثل هذه القضايا من غير المحتمل أن يلحق ضررًا طويل الأمد بسمعة الشركات، لأنه «لو كانت بالفعل قيمك الراسخة، فإن الأفراد المناهضين لهذه القيم لا يقفون إلى جانبك».
أما التساؤل الثاني الذي ينبغي للشركات أن تطرحه على نفسها ما إذا كان الأشخاص الذين يمثلون الأهمية الكبرى بالنسبة لها، بما في ذلك الموظفون والعملاء والمستثمرون وأعضاء مجلس الإدارة، يتأثرون بهذه القضية أو يحملون مشاعر قوية إزاءها، وينتظرون من الشركة أن تخرج إلى العلن للحديث بشأنها.
الملاحظ أن مستوى الحراك في صفوف الموظفين زاد وشرعوا في المطالبة بأن يتدخل رؤساؤهم في القضايا السياسية على مدار العامين الماضيين، حسبما أفادت غينز روس. وأضافت: «أنت ترغب في الاحتفاظ بموظفين واجتذاب أفضل العناصر في سوق العمل إلى الشركة، وإذا ما اختلف الموظفون معك، فإن بمقدورهم اللجوء سريعًا إلى شبكات التواصل الاجتماعي والإعلان عما يجول في صدورهم».
على سبيل المثال، نشر أحد موظفي «أوراكل» خطاب استقالة رسميا في أعقاب انضمام الرئيس التنفيذي للشركة إلى فريق العمل المؤقت المعاون لترمب. وبعدما هنأت الرئيسة التنفيذية لشركة «آي بي إم» ترمب على فوزه في الانتخابات، أطلق أحد المهندسين التماسًا باسم الموظفين السابقين والحاليين للشركة يدعوها إلى «التأكيد» على القيم الجوهرية لـ«آي بي إم» المتمثلة في التنوع والاندماج والسلوك التجاري الأخلاقي. وحتى الآن، وقع أكثر من 2000 موظف على الالتماس.
وشرح غارسيا، أنه إذا ما جاءت الإجابة عن السؤالين، ما إذا كانت قضية ما تؤثر في الهوية الجوهرية للشركة، وما إذا كان الشركاء القيّمون يتأثرون بها أو لديهم مشاعر قوية إزاءها، بالنفي، فإنه يتعين على الشركات في هذه الحالة التزام الصمت.
بغض النظر عن القرارات التي تتخذها، يتعين على الشركات الاستعداد للتعرض لرد فعل عكسي من قبل الأفراد الرافضين لموقفها. إلا أن غارسيا ينصح بألا تسارع الشركات تلقائيًا لتقديم رد فعل حيال ذلك. ونصح بأن تطرح الشركات قبل اتخاذ أي استجابة السؤال التالي: «هل هذا الرد العكسي يدفع العناصر المهمة بالنسبة لي نحو تغيير موقفها تجاهي؟» عادة تكون الإجابة بالنفي، لكن غارسيا استطردت بأنه: «من المحتمل أن يختفي الأمر في غمرة الأخبار، إلا إذا قفز أحد السياسيين على القضية وعمد إلى التضخيم منها لخدمة مصالحه».
وأعرب غارسيا عن اعتقاده بأنه كثيرًا ما تستجيب الشركات في وقت سابق لأوانه للنقد، ما يزيد من اجتذاب الأنظار نحو الموقف برمته. ونصح بأنه في مثل هذه المواقف، يتمثل رد الفعل الأمثل في التزام الصمت ومراقبة الموقف. وقال: «غالبًا ما لا تحظى قضية ما باهتمام إلا إذا أثرت أنت الاهتمام حولها. غالبًا ما يكون الجزء الأكبر من الضرر الذي أصاب سمعة شركة ما والثقة بها في خضم أزمة من صنع يديها».
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»