طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

خذوا الحكمة من ريتشارد غير

في المهرجانات يتصدر دائمًا النجوم المشهد، رغم أننا نكرر أن الفيلم هو المخرج، فإن بريق النجم يسرق الضوء، ريتشارد غير كان هو النجم الأكثر جاذبية في مهرجان «برلين»، الذي أسدلت ستائره مساء السبت الماضي، شارك بفيلمه «العشاء» إخراج أورين موفرمان، لم يكن بالتأكيد هو الفيلم الأهم، ولكن في مثل هذه المناسبات، اهتمام الإعلام يأتي دائمًا من خلال البريق، وغير كان هو الضوء، رغم أن مساحة دوره في الفيلم ليست رئيسية، غير ظل طوال المهرجان، هدف «الميديا»، وهو بطبعه ينطلق في حواره بين الخاص والعام، فإن ما توقفت عنده ليس فقط حول ما قاله عن ترمب عندما بيّن أنه لا يمكن أن يقبل دعوة عشاء معه، ولكن ستجد أنه لا يتحول إلى مدافع شرس عن فيلمه، الذي لم يحظَ بتقدير نقدي جيد، وهو درس عملي لنجومنا، ليس مطلوبًا بالطبع من المشاركين في أي عمل فني أن يتحولوا إلى مندوبي دعاية، على أمل، مثلاً، أن يؤثر ذلك على حظوظهم في اقتناص الجوائز، الحقيقة أن لجان التحكيم حتى لو شاهدت الأفلام في عروض الصحافة كما يحدث في «برلين»، إلا أن هذا لا يعني أبدًا أنهم يتأثرون بالمزاج العام الرافض أو المؤيد للفيلم، كم من الأفلام حظيت بتصفيق أو استهجان، وظل قرار اللجنة معبرًا عنها، ليس صدى للأغلبية.
نجومنا في بداية العرض الجماهيري، يكررون تلك الأسطوانة المشروخة هذا الفيلم أو تلك المسرحية أو الأغنية حققت حلمي، أو أن هدفي كان التعامل مع المخرج الفلاني أو الملحن العلاني، ثم بمجرد أن يلوح في الأفق الفشل «لا حس ولا خبر».
وبالطبع لدينا بعض الاستثناءات، عندما اعترض الشاعر عبد الرحمن الأبنودي على أغنية عبد الحليم حافظ «أنا كل ما أقول التوبة» تلحين بليغ حمدي وتوزيع علي إسماعيل، كان رأي الأبنودي أن التوزيع يتناقض مع الإحساس الذي تتضمنه بساطة الكلمات، ولكن عبد الحليم سارع بالاتصال به، قائلاً له هذه الأغنية صارت مورد رزق للعشرات، كيف تهاجمها وأنت أحد صُناعها، الغريب أن «كل ما أقول التوبة» حققت أكبر قدر من النجاح بكثير من الأصوات التي تغنت بها بعد عبد الحليم وأشهرها ماجدة الرومي، بتوزيع جديد أرضى ذائقة الأبنودي.
النجم في كل المجالات يتحول إلى سلعة قابلة للتداول وتتعرض لكل ما يفرضه قانون العرض والطلب، ولهذا فإن العمر الزمني للنجم وبقاءه على القمة مرتبط بتلك القدرات في التعامل مع المستجدات والظروف، في الغرب النجم وراءه فريق عمل يفكر ويدرس ويختار ويحدد، ويبقي بالطبع مساحة الحركة التي يواجه فيها النجم الناس، فينتقل للإدلاء برأيه في كل شيء يعن له، من مواقفه مع المرأة إلى مأساة اللاجئين، في «هوليوود» الصورة الغالبة أن هناك غضبًا من سياسات ترمب، الرأي السياسي مكفول للفنان سلبًا وإيجابًا، وهكذا جاءت كلمات غير على ترمب، بينما في عالمنا العربي سوف يحسبها الفنان ألف مرة قبل أن يدلي برأي سياسي ربما لا يُرضي السلطة، على الجانب الآخر في الفن، صار النجم العربي يبدأ عادة مدافعًا شرسًا عن الفيلم أو المسلسل، على أمل أن يقتنص النجاح كله وينسبه لقدراته الشخصية وألمعيته التي لا خلاف عليها، إلا أنه في حالة الإخفاق يولي الأدبار، مؤكدًا «يا ما نصحتهم ولم يسمعوا كلامي»!