حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

فيروس التعليم الرديء!

في المسرحية الخالدة «مدرسة المشاغبين» توجد مقاطع كثيرة زرعت في ذاكرة المشاهدين، ومع كثرة تكرارها أصبحت جزءًا من الذاكرة الاجتماعية للناس على مر السنوات. ومن أطرف الجمل التي وردت على لسان عادل إمام في هذه المسرحية تلك التي قال فيها «العلم لا يكيل بالبتنجان»... تذكرت هذه المقولة الهزلية وأنا أتابع بحسرة وألم شديدين أخبارًا حزينة ومتفرقة عن حال التعليم المتردي في العالم العربي. إنه وضع أقل ما يقال عنه إنه صعب جدًا. حجم الخلط المهول بين ما هو علم وما هو هزل وتهريج بات مقلقًا، وإلا كيف يسمح باستمرار صاحب مقولة «ثقوا أننا هزمنا الإيدز ولم ولن نستورد في يوم من الأيام مصلا لعلاج يكلف بنسًا واحدًا، الإيدز يتفتت ويصبح زي ما يقول في الأمثلة: باخذ الإيدز من المريض باديهولو صباع كفتة يتغذى عليه واديهولو غذاء وهذا قمة الإعجاز العلمي».
والشيء نفسه بالنسبة لصاحب المقولة المشهورة الأخرى: «يجب عدم السماح للمرأة بقيادة السيارة لأن في ذلك خطورة عظيمة على المبايض لديها مما يؤثر سلبًا على قدرتها في الإنجاب».
التعليم ونظرة الحكومات والشعوب إليه تبقى هي أم المعضلات العربية، فالميزانيات تجد حماسًا أكبر أن تذهب لمسائل أخرى غير التعليم ولا يتم الصرف على تطوير المعلم بذات القدر الذي تتوجه فيه الأموال الكثيرة إلى بنود أخرى أقل أهمية. وفي الوقت نفسه لا بد أن يصاب المرء بحيرة غير بسيطة من أمره وهو يتابع بتعجب ذلك الهوس المهول بالقوائم العالمية التي تحصل فيها بعض الجامعات العربية على مرتبة ما فيها وهي في الكثير من الأحيان ما هي إلا نتيجة حملات من برامج علاقات عامة مدفوعة الأجر مقدمًا.
قلت لصديقي الذي سألني ذات يوم سؤالا طويلا عن حال التعليم في العالم العربي، قلت له: خذها مني وتقبلها مني نصيحة مع أنني لا أميل إلى قبول النصائح بسهولة أبدًا، إذا سألك أحد عن حال التعليم في العالم العربي فقل له على الفور ومن دون أي تردد «ما المسؤول عنها بأعلم من السائل» لأن حجم الإنكار بوجود أزمة تعليم أساسًا بلغ من الجنون حدًا لا يمكن فهمه، والدفاع الدائم عن «مناهجنا» دون النظرة الموضوعية للمسألة، وبالتالي يصبح الحديث عن وجود خلل وأزمة ومشكلة وكارثة في النظام التعليمي خطأ كبيرًا.
العالم العربي أمامه طوق نجاة وحيد للخلاص من مستنقع الجهل الذي يحيط به، وجعل دولا أقل بالإمكانيات والتاريخ تتفوق عليه في القارة الأفريقية والآسيوية وأميركا الجنوبية، وبالتدريج لن يتبقى لنا سوى أن نقارن أنفسنا بكوريا الشمالية ليخرج علينا وقتها واحد من الأصوات إياها: «ومم تشكو كوريا الشمالية؟ أوليس بها أمن وأمان وتخرج علماء يقدمون اختراعات ومناهج مفيدة»! ولكن دعونا من الهزل في موضع العبث الذي وقع في موقع الجد. لقد بات العالم العربي اليوم ضحية نظامه التعليمي الذي فشل في تخريج طالب مسؤول قادر على المنافسة في سوق العمل لديه الحد الأدنى من الثقة في النفس للوقوف في معترك الحياة، وهذه هي إحدى أهم وظائف النظام التعليمي. وطبعًا عندما تنطلق في حديث كهذا لا بد أن يخرج عليك من يستهل الكلام عن الفرق بيننا وبينهم وعن أخلاقياتنا وأخلاقيات شعوب الأمم المتطورة «نحن أين وهم أين يا رجل؟! كيف من الممكن أن تعقد المقارنة معهم»! وطبعًا، هذا المتحدث نفسه ستكتشف من خلال الحديث معه أن لديه نظرة عنصرية تجاه الشعوب الآسيوية والأفريقية والعربية، ويعتقد جازمًا أنه هو ومن يشبهه وحدهم لديهم مزايا تجعلهم مختلفين وبالتالي لا يمكن مقارنتهم مع غيرهم. وهذه ضلالات اجتماعية تغذى باستمرار بأشكال مباشرة وغير مباشرة ومستمرة.
مأساة التعليم في العالم العربي بلغت حدًا لا يمكن السكوت عنه، لأنها باختصار آفة الآفات ولا تقل خطورة عن إنفلونزا الطيور والخنازير والإيبولا، إلا أنها لا تقتل أفرادًا بل المجتمع بأسره، وهذه هي الكارثة.