سوسن الشاعر
إعلامية بحرينية تكتب في بعض الصحف البحرينية منها «الوطن» و«بوابة العين الإخبارية». عضو في مجلس أمناء «جائزة الصحافة العربية». كانت مقدمة لبعض البرامج التليفزيونية. خريجة جامعة بيروت العربية.
TT

طوق الدولة أم طوق «الجماعة»؟

في كتابه «خارج الجماعة» كشف الدكتور البحريني ابن القرية، نادر كاظم، عن «القمع» الذي تمارسه «الجماعة» تجاه الراغبين في الخروج عن طوقها والانتماء لطوق الدولة، الذي يعد الإطار المنافس للجماعة. الكتاب يستحق القراءة لولا مأخذنا الدائم على معظم كتّابنا أنهم غالبا ما يحومون حول الواقع ويخشون ملامسته.
فالكاتب جريء في تناوله إشكالية قمع الرغبة الفردية في الخروج من الجماعة، لكنه استشهد بعدة أمثلة «لجماعات» تقمع أفرادها كاليهود إبان الحكم النازي وكعرب فلسطين خلال الحكم الصهيوني في إسرائيل، ولم يتطرق إلى الجماعات في دول الخليج ومنهم الشيعة، الجماعة التي ينتمي إليها، والصراع قائم عند أفرادها في التخير بين إطار الدولة أو إطار الجماعة. إن ملامسة هذا القمع ومعايشته واقع يعيشه كثير من أبناء الشيعة في القرى في البحرين والكويت، والذين يحاولون فعلاً أن ينخرطوا في الدولة دونما التخلي عن الجماعة يواجهون بالقمع، والأمثلة أكثر من أن تحصى في «قمع» الجماعة الذين لا يسمح لهم بجمع الاثنين.
ورغم أن الكتاب صدر عام 2009 فإن أحداث العنف التي تصاعدت في البحرين في تلك الفترة منعت من الاحتفاء بالكتاب والحديث عنه، إلى أن أقام أحد الأحزاب السياسية «وعد» ندوة في مقره يوم الأربعاء الماضي واستضاف الكاتب، ووفقًا للتغطية الصحافية للندوة فلم يتطرق الكاتب، حتى في الندوة، إلى إشكالية الواقع البحريني المعيش أبدًا، وهذه في حد ذاتها إشكاليتنا نحن مع النخبة المثقفة التي تكتفي بالاستشهاد بكل الأمثلة المتاحة إلا واقعها.
ومن المفارقة أن يبعد مقر الحزب السياسي الذي جرت فيه الندوة عن مبنى المحكمة الكبرى الجنائية في مملكة البحرين ومحكمة الاستئناف العليا عدة كيلومترات فقط، حيث تنظر المحكمتان خلال شهر فبراير (شباط) المقبل في ثلاث قضايا جنائية يحاكم فيها 20 متهمًا باتهامات تتعلق بارتكاب جرائم تعذيب لشباب وصبية بحرينيين في منطقتي «الدراز» و«السنابس»، وهما قريتان بحرينيتان تقطنهما غالبية شيعية؛ بحجة انتمائهم لأجهزة الدولة الأمنية.
صحيح أنه لا يمكن أن يكون خيال الكاتب قد (شطح) عام 2009 إلى أن قمع الجماعة للراغب في الخروج منها ممكن أن يصل إلى جرائم خطيرة كالتي ارتكبها المتهمون التي تنظر المحاكم في قضيتهم، إذ إن أقصى ما استعرضه الدكتور نادر في كتابه من أمثلة قمعية، هو الإقصاء عن الجماعة أو مطالبة الفرد بالولاء لها أو «بالمديونية» كما سماها تجاهها، إلا أننا نعتقد أن سكوت الراغبين في الخروج عن قمع الإقصاء وقمع المطالبة بالمديونية، وامتناع النخبة من حمل راية المواجهة مع الجماعة والاكتفاء بالحوم حول الواقع وعدم مواجهته من قبل الرواد ممن يرغب في الخروج، أفضى إلى تصاعد حدة القمع الجماعي حتى وصل إلى أن يكون الاختطاف والتعذيب والقتل.
فلم تكن تلك القضايا الثلاث هي الأولى التي يختطف فيها بحرينيون من قبل تشكيلات عصابية تتصدى لحماية مناطق نفوذ رجال الدين وبحجة حماية «الجماعة»، ففي يوم 10 أغسطس (آب) 2015 اختطف صبي من السنابس يدعى (أ.ي.هـ) يبلغ من العمر 16 سنة من قبل سبعة أشخاص ملثمين، وقام المختطفون بتعليقه على شجرة وضربه بأنبوب بلاستيكي، وقاموا بإدخال الأنبوب في مؤخرته؛ ما تسبب بحدوث نزف، وحضر في اليوم التالي شخص قال له إنه «من سرايا المختار لتعذيب العملاء» وهدده بتصويره فيديو في محاولة لإجباره على الاعتراف بتعاونه مع الشرطة، وفي النهاية أخذ في السيارة وأنزل بالقرب من مأتم بن خميس بالسنابس.
ومن المعروف أن من بين الذين أدينوا بالتعذيب والإشراف عليه عام 2014 رجل الدين محمد حبيب المقداد عضو جمعية الوفاق التي حلتها مملكة البحرين لارتكابها عدة مخالفات.
أما آخر القضايا فهي التي تنظر المحكمة الكبرى الجنائية في جلستها الأولى بتاريخ 9 فبراير 2017 وهي القضية التي راح ضحيتها الشاب أحمد موسى (18 سنة) من سكان الشاخورة، ويحاكم فيها أربعة متهمين؛ اثنان منهم تم القبض عليهما، ووجهت النيابة العامة إليهما، بعد الاستماع لشهادة الشهود والتحريات واعترافات المتهمين الثالث والرابع، اتهامات بارتكاب «جناية التعذيب المفضي إلى الموت وحجز الحرية وجنحة السرقة والإتلاف».
وتعود وقائع القضية إلى تاريخ 4 – 10 - 2016 في منطقة الدراز بورود بلاغ يفيد بالعثور على شخص مجهول الهوية في منطقة الدراز فاقدًا الوعي وبه إصابات متفرقة بجسمه وفي حال خطرة، وتعرف عليه والده من خلال صورة تم نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث ظل الشاب في غيبوبة عدة أيام قبل أن يُتوفى جرَّاء الإصابات التي تعرض لها. وتوصلت التحريات إلى أن المتهم الرابع - وهو صديق المجني عليه - كان برفقته يوم الواقعة بالتجمع عند منزل المدعو عيسى قاسم، حيث قام باستدراج المجني عليه إلى منطقة الدراز بناء على اتفاقه مع المتهم الثالث، على أن تقوم مجموعة أخرى بخطفه والتحقيق معه من أجل أن يعترف بأنه يعمل مع الشرطة وبأنه السبب في القبض على الموقوفين.
فهل يمكننا عزل هذا التطور الإقصائي عن بعضه بعضا؟ أليست العقوبات التي أوقعها المتهمون على ضحاياهم هي امتدادًا لمطالبتهم بالمديونية؟