عثمان ميرغني
كاتب وصحافيّ سوداني، نائب رئيس التحرير السابق لصحيفة «الشرق الأوسط». عمل في عدد من الصحف والمجلات العربية في لندن. متخصص في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية ومهتم بقضايا الاقتصاد العالمي والمناخ والبيئة.
TT

ليس لدينا أي فكرة عما سيفعله!

«محاولة فهم هذا الرجل مثل محاولة حل لغز مكعب روبيك... ليس لدينا أي فكرة عما سيفعله».
هكذا لخص جو بايدن نائب الرئيس الأميركي في مقابلة أجريت على مراحل مع مجلة «نيويورك تايمز» ونشرت أول من أمس، نظرة الإدارة الأميركية المغادرة غدًا للرئيس القادم دونالد ترمب.
إذا كان هذا هو الحال مع الإدارة الأميركية التي راقبت عن قرب ودرست وحللت شخصية الرجل الذي سيؤدي القسم غدًا ليصبح رئيس «أقوى» دولة، فما بالك ببقية العالم الذي ينظر بمزيج من الحيرة والقلق إلى الرئيس الجديد؟
الحقيقة أن كل الأطراف تحاول فهم ترمب بطريقتها، من خلال تفسير شخصيته، وتحليل تصريحاته، ورصد تغريداته. لكن الرجل المتقلب المزاج والمواقف يبقى لغزًا محيرًا، لا أحد يعرف بالتأكيد كيفية تفكيره، أو يضمن مواقفه وسياساته. هذا الغموض لو كان متعلقًا بدولة صغيرة هامشية، لما كان الأمر سيجد اهتمامًا من أكثرية العالم، لكنه عندما يتعلق بدولة مثل الولايات المتحدة، تعتبر الأقوى حتى وإن تراجعت قوتها بعض الشيء، وسياساتها تؤثر على مجرى الأمور في كثير من أرجاء العالم، يصبح الأمر مربكًا، بل مرعبًا.
هناك انقسام بالتأكيد في التوقعات من إدارة ترمب؛ فهناك المتشائم من الرجل، ومن جهله بتعقيدات السياسة الدولية، ومزاجه المتقلب، وانشغاله بالتغريد على «تويتر» للرد على أي انتقاد يوجه إليه، أو التعليق على صغائر الأمور. رئيس مثل هذا يمكن أن يدخل إدارته والعالم في مطبات خطرة، خصوصًا في مرحلة مضطربة كالتي نعيشها حاليًا.
هناك كذلك من يشعر بالتفاؤل ويدعو لإعطاء الرجل فرصة لوضع سياساته موضع التنفيذ، من واقع أن بعض تصريحاته ربما تعطي أملاً في تحولات «إيجابية» إزاء بعض القضايا، مثلما أن تعييناته للمواقع الرئيسية في إدارته تدعم الرأي القائل بأن الحكومة القادمة ستكون «عملية ومرنة» تفكر بعقلية رجال الأعمال، ومنهجية مدبري الصفقات. في العالم العربي يشعر كثيرون أن الإدارة المقبلة لن تكون «أسوأ» من إدارة باراك أوباما التي تركت سجلاً محبطًا بسبب التردد والانكفاء، وما خلفته بسبب ذلك من إخفاقات وحروب وتوترات؛ الحكم النهائي في هذا الأمر يبقى بالطبع مرهونًا بما ستحمله الفترة المقبلة.
ما الذي نتوقعه من ترمب في مسائل السياسة الخارجية التي تهمنا؟
إذا كان هناك أمر واحد واضح في سياسات الإدارة الجديدة، فهو تعهدها بالدعم المطلق لإسرائيل، وهي سياسة أميركا الثابتة في كل الأحوال، لكن ترمب يبدو عازمًا على الذهاب إلى أبعد في هذا الدعم، خصوصًا مع رفضه إدانة سياسة الاستيطان، وتعهده بنقل السفارة الأميركية إلى القدس واعتبارها عاصمة أبدية وموحدة للدولة اليهودية.
تنفيذ هذه السياسات سيضع المنطقة في مواجهة فترة محفوفة بالمخاطر ومفتوحة على كل الاحتمالات؛ قد يكون واردًا أن تحاول إدارة ترمب موازنة سياستها بطرح مبادرة للسلام، وتتجه في ذلك لطلب مساعدة مصر والأردن ودول الخليج والمغرب، فلن يكون غائبًا عن المخططين في واشنطن أو غيرها أن أي خطوات من دون تحريك ملف السلام، قد يعني إشعال المنطقة، لكن مع إدارة ترمب لا يمكن لأحد أن يضمن شيئا، ويبقى كل شيء واردًا.
ليس بعيدًا عن ذلك موضوع الملف النووي الإيراني وتداخلات سياسة إيران مع عدد من قضايا المنطقة؛ فالرئيس الأميركي الجديد وعدد من المحيطين به، سجلوا انتقادات شديدة للصفقة النووية التي عقدت مع إيران واعتبروها من ضمن أخطاء الإدارة السابقة، لكن على الرغم من ذلك فإن إلغاء الصفقة يبقى مستبعدًا، خصوصًا أن هناك قوى دولية أخرى ضالعة فيها، كما أنها أجيزت من مجلس الأمن. يبقى البديل عن الإلغاء أن تعمل إدارة ترمب لاستمرار الضغط على إيران، ولكف تدخلاتها الخارجية خصوصًا في سوريا والعراق، وإن كانت تريد تعاون طهران في محاربة «داعش»، لكن الإدارة ستراعي أكثر من إدارة أوباما مصالح إسرائيل ومخاوفها في نظرتها إلى سياسات إيران.
تداخل القضايا يحتم الإشارة أيضًا إلى اهتمام الرئيس الأميركي الجديد بإصلاح العلاقات مع روسيا فلاديمير بوتين، لأن هذا الأمر ستكون له انعكاساته على كثير من الأمور، بما في ذلك أوضاع المنطقة؛ فلو سارت الأمور إيجابًا بين واشنطن وموسكو فإن ذلك سينعكس على الأوضاع في سوريا وربما يدعم جهود حل الأزمة، لكن العلاقات لو انتكست وعاودت التوتر، ستكون التداعيات كبيرة وملموسة في تأجيج الصراع، وكذلك في إرباك الحرب على «داعش».
مع إدارة ترمب لا يمكن الجزم بشيء، لذلك يبقى القلق والترقب هما المشاعر الغالبة مع الاستعداد لتسلمه دفة القيادة غدًا.
شخصيًا لا أجد ما يدفعني للتفاؤل، لكنني مثل كثيرين حول العالم، سأنتظر حكم الأيام والوقائع، لعل الرجل يفاجئنا... فلا يكون مصيبة ولا يدفع العالم نحو مرحلة أكثر اضطرابًا وإحباطًا، أو حروبًا ودمارًا.