معاذ السباعي
كاتب ومعارض سوري
TT

هل بات دعم المجتمع المدني السوري حاجة ملحة؟

ما إِنْ تخمد نيران جبهة ضمن مساحات الاشتباك اللامنتهي في سوريا، حتى تستعر نيران أخرى. ورغم توالي المساعي الرامية للوصول إلى حلٍّ يقلص من تلك المساحات، فإن الأزمة السورية تستمر بالتصاعد لتقترب من إتمام عامها السادس، وسط غياب رؤية لإنهاء الحرب أو الحد من كوارثها الإنسانية.
أضحت سوريا، مرتعًا للموت الجماعي، يُفتقد فيها الأمن، ويعمُّها التشرد، ولا يجد أبناؤها ما يلبي احتياجاتهم من تعليم ورعاية صحية ومعيشية، إلى جانب حدوث انتهاكات خطيرة، ترتكبها ميليشيات متمرسة في القتل، تشمل مهاجمة المدنيين، وتجنيد الأطفال، والخطف والتعذيب والقتل.
في عام 2016، قدرت المفوضية العليا للاجئين أن 6.3 مليون سوري تحولوا إلى نازحين داخل بلدهم، وأن 13.5 مليون بحاجة إلى مساعدة إنسانية، وفي العام ذاته شهدت وكالات الإغاثة الإنسانية تحديات جمَّة في إيصال المساعدة للنازحين والمهجرين من النزاع بسبب خضوع مناطق عدة للحصار، وإخفاق المجتمع الدولي في الوفاء بالتزاماته.
في أكتوبر (تشرين الأول) 2016 أفاد تقرير لمكتب منسق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة بوجود 970 ألف شخص يعيشون في مناطق تحت الحصار في سوريا، و3.9 مليون في مناطق شبه محاصرة (يصعب الوصول إليها) وتعاني من قصف مستمر، وحرمانٍ من المساعدات اللازمة، من غذاء ومياه نظيفة، كما يعاني سكانها من سوء الرعاية الطبية، مما يجعل سوريا تُصنف ضمن أسوأ ما شهدته الإنسانية من كوارث منذ الحرب العالمية الثانية.
في ظل هذه التطورات، نظمت الأمم المتحدة في 2016 القمة العالمية للعمل الإنساني (الأولى في تاريخها)، تحت شعار: «لنتحد من أجل إنسانيتنا المشتركة»، وللمطالبة باتخاذ إجراءات على الصعيد العالمي لإنهاء معاناة ملايين النساء والأطفال المتأثرين بالنزاعات والكوارث.
تجدر الإشارة هنا إلى أن التركيز على الاستثمار في المجتمعات المدنية المحلية كان من أهم توصيات القمة الإنسانية، وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار الدور الذي لعبه المجتمع المدني السوري الناشئ في الوفاء بجزء من الاحتياجات الإنسانية، وما سطره عاملوه من شجاعة وتفانٍ، وسط إخفاق عام في ضمان أمن العاملين في المجال الإنساني، فإن ترشيد ودعم المجتمع المدني سيسهم بكل تأكيد في تحقيق نتائج أفضل في الاستجابة الطارئة، ويكون نواة لمجتمع مدني فاعل في سوريا الجديدة.
وهنا يجدر بمؤسسات المجتمع المدني السوري أن تتخذ من مخرجات مؤتمر القمة للعمل الإنساني مرتكزات استراتيجية، وأن تسعى إلى تسريع عجلة التكامل في عمل برامجها المختلفة من أجل تنمية مجتمعية، وذلك عبر دفع عجلة التنمية في المناطق المستقرة نسبيًا، والتركيز على التعليم والوئام الاجتماعي، وتطوير عمل مؤسسات المجتمع المدني عبر إنضاج نموذج الشراكات الدولية والمحلية.
وفي ظل غياب أطر الدولة الناظمة لعمل المؤسسات الناشئة، فإن من أهم أولويات المجتمع المدني السوري تعزيز الحوكمة الذاتية، والإفادة من خبرات الغير، وإعطاء الأولوية للاستدامة في الخدمات التي تقدمها المنظمات عبر الإبداع واستشراف المستقبل، ودراسة السيناريوهات المحتملة والأدوار المطلوبة. وبالإضافة لتوفير الحد الأدنى للحفاظ على حياة الأشخاص المتضررين من الكوارث والنزاعات، وزيادة حجم الموارد المتاحة من خلال زيادة التمويل المباشر المقدم إلى الجهات العاملة على الخطوط الأمامية، فإن حشد التمويل الإنمائي من أجل تخفيف العبء الدائم المرتبط بالحاجات الطارئة هو حاجة ماسة وملحة.
يضاف إلى ذلك، أن التعاون بين منظمات المجتمع المدني والجهات السياسية الفاعلة هو أمر في غاية الأهمية، وذلك سعيًا لإرساء برامج عمل واقعية. إن من أهم الأدوات لهذا هو عقد لقاءات ومشاورات مشتركة، وتنشيط الفاعلين الرئيسيين بما يمكنهم من توثيق التزاماتهم، واتخاذ إجراءات فعالة تضمن الحصول على نتائج ذات أثر مستدام يمكن قياسها، بدءًا من تقديم المعونة، وصولاً إلى إنهاء حالة العوز، ضمن تغيير جذري في حياة الأفراد.