إميل أمين
كاتب مصري
TT

سلطنة عمان... معًا لمكافحة الإرهاب

أعلنت أمس سلطنة عمان عن قرارها بالانضمام إلى التحالف الإسلامي العسكري المضاد للإرهاب، وجرى ذلك عبر رسالة السيد الوزير المسؤول عن شؤون الدفاع في السلطنة بدر بن سعيد البوسعيدي.
كيف لنا أن نقرأ هذا القرار المهم في مثل هذا التوقيت الحرج، الذي يتعرض فيه العالم برمته لموجات من الإرهاب غير المسبوق؟
يمكن القطع بداية أن مرد القرار حرص السلطنة على وحدة كلمة وتوجه مجلس التعاون الخليجي، ورؤيتها للمسيرة الواحدة التي تجمع شعوب دوله، وبخاصة في ظل القيادة التاريخية الحكيمة للسلطان قابوس، الذي عرف طويلا وكثيرا بروح العروبة الوثابة، وبالحرص على أمن وسلام منطقة الخليج العربي، والآن لا تتوانى السلطنة عن الذود عن هذه البقعة الجغرافية، وذلك التكتل البشري في مواجهة واحدة من أكبر معضلات الإنسانية في القرن الحادي والعشرين أي الإرهاب الأسود.
يأتي انضمام السلطنة لركب التحالف لتضحي الدولة الإسلامية الحادية والأربعين التي لبت قرار تأسيسه من قبل ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بهدف الإسراع في جهود مكافحة الإرهاب ووقف انتشاره، بعد أن بات يقض مضاجع الخليقة، والتأكيد أن الشعوب الإسلامية عامة والخليجية خاصة، التي تكبدت خسائر فادحة من جراء هذه الظاهرة المنكرة، تجيء في مقدمة الصفوف الدولية الملبية نداء المواجهة، والمشاركة في تنسيق الأعمال الأممية، والمتطلعة لآليات وسبل مبتكرة للقضاء على الفيروس القاتل.
الرياض التي تستضيف مركز عمليات مشتركة «لتنسيق ودعم العمليات العسكرية»، ثمنت على لسان الأمير محمد بن سلمان هذا القرار، وأعرب عن تقديره للقيادة في سلطنة عمان لدعم جهود المملكة في قيادة التحالف.
عرفت السلطنة دوما بأنها داعية وراعية للسلام في الإقليم المضطرب، والإرهاب يكاد يغيب عن دروبها الداخلية، ومع ذلك فقد غلبت النظرة الكلية للتحالف ورأت في استشراف خلاق أن الوقاية خير من العلاج، عطفا على أن وحدة الكلمة والقرار والتوجه الخليجي في هذا التوقيت يعد «الدرع الواقي» الحقيقي من عاديات الأيام، وغوائل أزمنة الإرهاب.
فلسفة التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب تحمل رايات لا تخطئها العين، ويتوجب على الغرب بنوع خاص أن يقرأها بتؤدة وفهم مباشرين.
إنها فلسفة تقطع بأن العالم الإسلامي يقف واعيا منتبها لا لتنظيم داعش فقط، ذلك الذي عاث فسادا في المنطقة والعالم خلال الأعوام المنصرمة، بل إنه يعمل على محاربة الظاهرة في مناطق مختلفة من العالم الإسلامي، وحول العالم، بالتنسيق والترتيب مع جميع المنظمات الدولية ومع الدول الكبرى التي تضطلع بدور رائد في تلك المهمة.
مشهد آخر لا يمكن للمحلل السياسي المحقق والمدقق أن يغفله في هذا القرار العماني، وهو الإدراك المبكر للتغيرات التي ستطرأ على الساحة الإقليمية، ومشاهد التحالفات الإقليمية بل الدولية المتوقعة، في ظل ترتيبات أممية جديدة تمضي بها الأحداث قدما، وفي المقدمة منها الإدارة الأميركية الجديدة المثيرة لكثير من علامات الاستفهام، ولهذا يمكن القطع بأن السلطنة فضلت مبكرا خيارات وحدة الدم والمصير الخليجي من ناحية، وتعبئة الجهود لمكافحة الإرهاب ضمن الصف الإسلامي من جهة ثانية، انطلاقا من قناعات إيمانية وعقلانية مصيرية.
تفعيل الدور العسكري الإسلامي لمواجهة الإرهاب اليوم بات ضرورة ملحة، لا سيما في ظل موجة «الإسلاموفوبيا» والربط بين الإسلام والإرهاب بشكل عام.
خذ على سبيل المثال ما قاله برنارد لويس بطريرك الاستشراق المغشوش حول هذا الموضوع.
هذا الحديث المغلوط ينسى أو يتناسى عمدا أن النازية والفاشية لم يكن وراءهما مسلمون، وإنما أوروبيون بيض، وإن لم يكونوا بالضرورة مسيحيين، بالمعنى الإيجابي للمسيحية التي تحث مثلها مثل الإسلام على السلام والمحبة، وتنكر الكراهية والقتل.
تحتاج مكافحة الإرهاب اليوم إلى تنادٍ عالمي، واستباق الإرهابيين المعولمين بعدة خطوات لا خطوة واحدة، ولهذا فإن الفرصة تاريخية للتحالف الإسلامي، لأن يكون جزءا فاعلا في السياق الدولي برغبة جذرية في التواصل مع بقية دول العالم ومؤسساته، لتبيان حقيقة الإسلام، وكم هي بعيدة أفعال الإرهاب والإرهابيين عن متن الدين الحنيف في الحال والاستقبال.
انضمام سلطنة عمان اليوم إلى التحالف يذكر العالم برمته بأهمية مكافحة الإرهاب، وكيف أنه أضحى أمرا مشروعا ولازما، بل حتميا وضروريا لصيانة السلام العالمي دون أن نغفل أن تلك المواجهة تستدعي تحكم العقل والتوقف أمام أسئلة الضمير الحي عن الأسباب الحقيقية لجريان العنف والدماء على النحو الذي نرى، وعن الذين يؤججون نيران الكراهية من وراء الستار، وعن أصحاب المصالح المستقرة والمستمرة في إذكاء جذوات الحروب، وهي أسئلة جوهرية لا بد من مطالعتها، وإيجاد أجوبة شافية وافية لها إن أردنا للعالم أن يبرأ من سقم الإرهاب.