إميل أمين
كاتب مصري
TT

هل تتراجع أميركا عن الحريات المدنية؟

هل يمكن لأميركا الحريات المدنية والدينية أن تصل إلى هذا الدرك الأسفل المنافي والمجافي لدستورها وروحها؟ التسريبات المفزعة والمرعبة الأخيرة تدور حول مقترح لتسجيل بيانات مسلمي الولايات المتحدة، كذا الذين يأتون من الخارج عند دخولهم البلاد..
تعود القصة إلى كريس كوبوك، وزير شؤون الخارجية في ولاية كانساس، وهو صارم جدا فيما يخص قوانين الهجرة، ويساعد دونالد ترامب في تشكيل سياسات الهجرة، والفكرة في واقع الحال ليست جديدة، إذ تمتلك أميركا سجلا للمهاجرين منذ تسع سنوات، كان اسمه «برنامج الأمن الوطني» لتسجيل دخول وخروج المهاجرين أو «NSEERS».. هل لترامب علاقة تفصيلية ما بهذا البرنامج؟
جيسون ميلر، المتحدث باسم الفريق الانتقالي الخاص بالرئيس الأميركي المنتخب، ادعى أن ترامب لم يدع «إلى القيام بعملية تسجيل لتتبع الأفراد بحسب الديانة».. غير أنه لسوء حظه، فإن تصريحه يغالط بشكل واضح فيديو يظهر فيه ترامب أثناء حملته في مدينة نيوتن بولاية آيوا في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، وفي الفيديو توجه مراسلة قناة «إن بي سي نيوز» سؤالا له، حول ما إذا كان سيستحدث قاعدة بيانات خاصة بالمسلمين، فيجيب: «سأفعل ذلك من دون شك».. «هل سيتم إلزام المسلمين بالتسجيل في قاعدة البيانات هذه بحكم القانون؟»، يجيب ترامب: «يجب ذلك». ويضيف: «عدا عن قاعدة البيانات، يجب أن يكون لدينا الكثير من الأنظمة».
إن هذا هو إعادة لإنتاج ألمانيا النازية التي كانت تجبر اليهود على تسجيل أسمائهم وبياناتهم بمثل تلك الطريقة، الأمر الذي قاد لاحقا إلى مأساة الهولوكوست، والمشهد عينه مشابه لما جرى في أميركا عينها التي احتجز بها الأميركيون جموع يابانيي الأصل أميركيي الجنسية، خلال الحرب العالمية الثانية، ما يعد وصمة عار حتى الساعة في الجبين الأميركي.
فمن يرسم صورة المسلمين في عيون ترامب؟
إنه فرنك جافني، مؤسس مركز أبحاث هامشي، يدعى «مركز السياسة الأمنية»، وسبق له العمل لأربع سنوات في وزارة الدفاع الأميركية بحقبة الرئيس الأميركي الأسبق، رونالد ريغان، ويصفه مركز «ساوثرن بوفرتي» المعني بمراقبة الدعوات والنزعات العرقية المتشددة، بأنه أحد أعتى دعاة الإسلاموفوبيا بأميركا، ويعتزم إضافته إلى قائمة «دعاة الكراهية» لعام 2016.
دعوات جافني المثيرة والمليئة بالكراهية غير خافية على أحد، إنه الرجل الذي يحذر مما سماه «تسلل الشريعة الإسلامية إلى أميركا والغرب»، وهو كذلك المروج الرئيسي لنظريات المؤامرة المعادية للإسلام، وقد قام المركز الذي يريده جافني بنشر الدراسة المزعومة حول ميول المسلمين في أميركا، التي جاء فيها أن 51 في المائة من المسلمين بأميركا يعتقدون أن من حقهم المطالبة بتطبيق أحكام الشريعة عليهم، وأن ربعهم يؤيد استخدام العنف ضد أميركا في سياق الجهاد العالمي.
ربما لا يكون جافني فقط هو من يزعج مسلمي أميركا في الحال، ذلك أن هناك أسماء تطرح في الاستقبال كأعضاء لإدارته الجديدة تثير من القلاقل والمخاوف الكثير.
هل أتاك اسم الجنرال مايكل فلين، مدير الاستخبارات العسكرية الأميركية، المستقيل من إدارة أوباما، وأحد أهم الجنرالات الذين أداروا حملة ترامب الانتخابية؟
يبدو أن الرجل - الجنرال يقترب بالفعل من منصب مستشار ترامب للأمن القومي، وهو لا دالة له على الإسلام ولا على المسلمين، ففي أغسطس (آب) الماضي، وخلال اجتماعه في ولاية تكساس بمجموعة من «أعمل من أجل أميركا»، التي ترأسها بريجيت غابرييل، وصف فلين الإسلام بالسرطان، وظل يردد أن «الإسلام هو فكر سياسي يستتر خلف الدين».
تغريدات الجنرال فلين تكشف أيضا عما يجول في فكر وعقل الرجل، فقد كتب مرة يقول: «الخوف من المسلمين أمر منطقي.. أرجو إرسال هذا للجميع، الحقيقة مخيفة بلا أدنى شك».
ما ينتظر مسلمو أميركا خلف الأبواب يدق أجراس التنبيه والتحذير من فتنة عنصرية وعقائدية لم تعهدها أميركا من قبل، سيما أنه حتى لو فشل ترامب في تفعيل نياته تجاه مسلمي أميركا، إلا أن تداعيات خطابه الكاره للإسلام والمسلمين أصبحت واضحة بالفعل، والدليل جرائم الكراهية المتزايدة.. من ينقذ أميركا من وباء ملاحقة المسلمين التي تنفذه جهات معروفة؟