فايز سارة
كاتب وسياسي سوري. مقيم في لندن. عمل في الصحافة منذ أواسط السبعينات، وشارك في تأسيس وإدارة عدد من المؤسسات الإعلامية، وكتب في كثير من الصحف والمجلات، ونشر دراسات ومؤلفات في موضوعات سورية وعربية. وساهم في تأسيس العديد من التجارب السياسية والمدنية.
TT

بعد كل ما حصل.. ماذا ينتظر السوريون؟

كان الأسبوع الأخير حافلاً بتفاصيل سورية، لم يحفل بها أسبوع واحد وربما شهر من نحو ست سنوات مضت على خروج السوريين ضد نظام الاستبداد والقتل الذي يديره بشار الأسد، مواصلاً فيه الطريق الذي بدأه أبوه في سوريا الاستبداد والقتل في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1970.
ففي أحداث الأسبوع الماضي، تزامنت اشتباكات الإخوة الأعداء من مقاتلي حركة أحرار الشام والجبهة الشامية، المنتمين لفصائل المعارضة المسلحة على معبر باب الهوى في نزاع جوهره التنافس على واردات المعبر، فيما كانت طائرات الأسد تقصف بالبراميل المتفجرة أحياء حلب الشرقية المحاصرة من قوات الأسد وحلفائه الإيرانيين وميليشياتهم اللبنانية والعراقية، بينما كانت أبواق نظام الأسد، تعلنها صراحة، أن على المحاصرين من المدنيين والمقاتلين في حلب مغادرتها، أو أنها ستهدم على رؤوسهم باستخدام أسلحة، لم يتم استخدامها في سنوات الحرب السورية.
الطرف الروسي في القضية السورية، ولئن بدا صامتًا قبل الأسبوع الماضي، فقد كان يعد فيه لهجومه الواسع عبر قصف عنيف، بعضه من الطيران وآخر من الأسطول الروسي المتمركز قرب الشاطئ السوري في البحر المتوسط، مستهدفًا ريفي حمص وإدلب، بالتزامن مع العمليات الأخرى في جبهة حلب، جعلت حلب كتلة من نار، تمامًا على نحو ما صارت إليه عشرات المدن والقرى في محافظتي حمص وإدلب من الهجمات الروسية وطيران الأسد وسط تصريحات روسية، بأن الهجمات، تتم بأسلحة تستخدم لأول مرة في التاريخ، فيما كان وزير الخارجية الروسي ينفي القيام بأي غارات على حلب.
وفي محيط دمشق، لم تكن الأمور أفضل حالاً، حيث هجمات نظام الأسد الجوية - البرية وحلفائه متواصلة تحت شعار فرض الموت أو الاستسلام عبر اتفاقات «المصالحات المحلية»، التي يفرضها النظام على مدن الغوطة وقراها واحدة تلو أخرى.
بقية جبهات الحرب في سوريا مشتعلة هي الأخرى، والصراع على أشده في حرب على «داعش» في شمال حلب، تتابعه قوات درع الفرات في شراكة معلنة بين القوات التركية وفصائل من الجيش الحر، فيما تتواصل معارك في محيط الرقة عاصمة «داعش» بين الأخير وقوات سوريا الديمقراطية، التي تشكل قوات الحماية الشعبية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي عصبها الرئيسي، والتي اتهمتها تقارير دولية صدرت عن منظمات حقوقية بممارسة سياسة تطهير عرقي ضد السكان في القرى التي اجتاحتها أخيرًا بحماية ومساعدة طيران التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
خلاصة الأسبوع الماضي، أن القتل والتدمير في سوريا يدخل دائرة هي الأخطر في الحرب السورية، بالتزامن مع تعدد وتنوع وتشارك أدوات القتل والتدمير في الجرائم ضد السوريين، وذهابها في استخدام أسلحة استثنائية وبوحشية لا حدود لها، والأهم من ذلك، أنها مرشحة للتصاعد ولإيقاع مزيد من الخسائر البشرية والمادية وسط صمت دولي وإقليمي، لا يخلو من ريبة التواطؤ في تدمير ما تبقى من سوريا.
وسط تلك اللوحة قاتمة السواد، لا بد من سؤال عما ينتظره السوريون، إن كان ثمة من يرغب في سماع صوتهم وسط الكارثة، التي سببتها الحرب وأدواتها المتعددة وتطوراتها الإجرامية، وفي هذا ينتظر السوريون وقفة من معارضتهم السياسية والمسلحة من أجل اتخاذ إجراءات عملية، يمكن لها أن تحدث تحولات في مسار الحرب، أولها العمل على توحيد ما أمكن من قوى المعارضة السياسية والمسلحة في جسد سياسي/ عسكري واحد، والثاني رفع الغطاء السياسي عن التنظيمات المسلحة والمتطرفة وقياداتها، التي لا تلتزم بوحدة القيادة والقرار ومكالب السوريين بالتغيير، وتجريم كل طرف مسلح يذهب إلى مواجهات مع طرف آخر، وخصوصًا في المناطق المحاصرة، والثالث إطلاق حملة لوقف الحرب وسط هدفين أساسيين؛ أولهما مواجهة المعاناة الإنسانية للسوريين، والثاني جعل وقف الحرب مقدمة للحل السياسي وفق القرارات والمساعي الدولية.
وينتظر السوريون من أصدقاء الشعب السوري في المستويين الإقليمي والدولي، دعم خطوات المعارضة السورية ومساعدتها في توحيد قواها السياسية والمسلحة، وفي تجريمها لكل قوى الإرهاب والتطرف، التي تدفع أو تنخرط في معارك بينية، وتقديم مختلف أشكال الدعم للمعارضة وتقويتها لتشكل طرفًا في مساعي الحل السياسي، واتخاذ كل الإجراءات الممكنة للضغط على النظام وحلفائه لوقف مسار الحل العسكري ودفعهم للانخراط في الحل السياسي.
وإن كان السوريون يدركون أهمية المؤثرات الإقليمية والدولية على قضيتهم وأفق تطورها، فإنهم يدركون في الوقت ذاته، أن العامل الذاتي لا يقل أهمية في مؤثراته، خصوصًا إذا سعت المعارضة إلى التخلص من تنظيمات، وقيادات صارت تشكل عبئًا على قضيتهم، سواء لعجزها عن القيام بما ينبغي القيام به سياسيًا وعسكريًا، أو لتحولها إلى مستفيدين من حالة استمرار الحرب، وتواصلها تحت شعارات لا معنى لها.