خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

من ظرفاء السياسة الفرنسية: لويس الرابع عشر

كان عصر الملك لويس الرابع عشر عصرًا ذهبيًا بالنسبة للفرنسيين، لذلك سموه بالشمس، فإلى حد ما كان يماثل هارون الرشيد في عصره. اعتاد كلاهما اصطحاب الشعراء والأدباء والفنانين والظرفاء. وبالطبع كان أكثرهم يتملقون الملك، ويكيلون المديح له. كان منهم رئيس أساقفة تولوز. ألقى في الكنيسة خطبة طويلة تشيد بمزايا الملك ومنجزاته. ظل يسترسل بها حتى استنفد جعبته وصار يتفأفأ، فاستغل الملك الفرصة، وقال له: «أرجو أن تترك لي بعض الوقت لأستمتع بكل ما أفضت به من مزايا عني»!
كان القوم راكعين طوال القدّاس. وعندما انفضوا من الكنيسة سأل الملك المفكر الكبير دوكرامون: كيف وجدت الخطبة؟ فقال له: كانت يا مولاي عذبة على الأذنين مرهقة للركبتين.
كان دوكرامون كاتبًا ومفكرًا ملحدًا، ولكن الملك الشمس كان مغرمًا به وضمه إلى المقربين من حاشيته. وعندما سمع باقتراب أجله بعث إليه أحد أدباء الحاشية ليكلمه ويحاول أن يهديه للإيمان بالله. وكانت المدام دوكرامون قد بذلت الكثير في ذلك، وضاعت جهودها عبثًا. وبعد أن سمع كلام رسول الملك التفت إلى زوجته وقال: هل سمعت؟ رسول الملك هذا سينتزع منك فضل هدايتي إلى الإيمان.
ظل لويس الرابع عشر ملكًا على فرنسا لنحو 72 سنة. وكانت سنوات مكدسة بالحروب والفتوحات. وقف في قصره ينتظر وصول الأمير دوكونده، عائدًا من بعض هذه الحملات العسكرية. بيد أن الأمير كان يعاني من أوجاع الركبتين فأخرته في صعود السلم بحيث أبقى الملك ينتظر. وعندما وصل إليه اعتذر له عن تأخره بسبب أوجاع ركبتيه فقال له الملك: كلا ليس ذلك. ولكن عندما يكون الإنسان مكللاً بأكاليل النصر والمجد، كما أنت اليوم، فيصعب عليه صعود السلم بسهولة.
كلفت هذه الحروب المتواصلة والفعاليات الأدبية والفنية للبلاط أموالاً كبيرة أرهقت الخزينة واضطرت الملك إلى فرض المزيد من الضرائب وحتى بيع المناصب للراغبين في الجاه. لاحظ أحد الفلاحين الملك على صهوة جواده للصيد دون أي قفاز على يديه، فأعرب عن عجبه لزميله، فرد عليه هذا وقال: اسمع، إن الملك لويس الرابع عشر لا يحتاج إلى أي قفاز يدفئ به يديه، فهو قد مد يديه في جيوبنا «على طول»! وعندما عين المارشال دوفيلار قائدًا للجيش في الحرب ضد بروسيا، ذهب ليستأذن بالرحيل من الملك، وقال: «مولاي، إنني في طريقي لمحاربة أعدائكم وأترك جلالتكم لمحاربة أعدائي».
وبدأبه على بيع مناصب الحكومة انتهى بوزير مالية لا يجيد غير لعب «البلياردو» مع الملك. وعندما حل أجله ومات، أشار أحد الشعراء ونصح المسؤولين بأن يكتبوا على شاهد قبره هذه الكلمات:
هنا يرقد شاميار الشهير
الموظف لدى الملك
كان بطلاً في لعبة البلياردو
وصفرًا في الوزارة