د. عبد المنعم سعيد
عضو مجلس الشيوخ المصري حالياً، ورئيس مجلس إدارة «مؤسسة المصري اليوم» الصحافية في القاهرة، ورئيس اللجنة الاستشارية لـ«المجلس المصري للدراسات الاستراتيجية»، وسابقاً كان رئيساً لمجلس إدارة «مؤسسة الأهرام» الصحافية، و«مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية»، و«المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية»، وعضو مجلس الشورى المصري. كاتب في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ عام 2004، و«الأهرام» و«المصري اليوم»... وعدد من الصحف العربية. أكاديمي في الجامعات والمعاهد المصرية، وزميل زائر في جامعة «برانديز» الأميركية، ومؤلف للعديد من الكتب.
TT

الانتخابات الأميركية في عيون عربية

لا يمر يوم إلا ويسألني سائل عربي: من الذي سيفوز في الانتخابات الرئاسية الأميركية؛ ومن بين المرشحين للرئاسة هيلاري كلينتون ودونالد ترامب أيهما أقرب للمصالح العربية؟ وإجابتي عن السؤال الأول تسير على الوجه التالي: إن كافة استطلاعات الرأي الأميركية ترجح فوز هيلاري كلينتون رغم ما يبدو أحيانا كما لو أن الفارق بين المرشحين يتضاءل إلى حدود مدى الخطأ في الاستطلاعات. والسبب أن الانتخابات الأميركية لا تجري وفقا لتصويت الناخبين الأميركيين مباشرة، وإنما تتم من خلال الكتلة التصويتية للولايات في المجمع الانتخابي، وهذه حاسمة حتى الآن في أنها لصالح المرشحة الديمقراطية. وفي يوم 21 أكتوبر (تشرين الأول) المنصرم كتب مايكل أوهانلون في دورية مؤسسة بروكينجز الأميركية عن «كيف يخسر ترامب بكرامة»، عاكسا وجهة النظر التي ترى أن نتيجة الانتخابات باتت محسومة.
ومع ذلك فإن المفاجأة دائما ممكنة لثلاثة أسباب على الأقل: أولها أن استطلاعات الرأي العام كثيرا ما تخطئ عندما يكون الفارق ضيقا، وهو ما ظهر في الاستطلاعات الخاصة بالاستفتاء البريطاني على الخروج من الاتحاد الأوروبي التي فاجأت الجميع بالخروج، لأن الفارق في اليوم الأخير لم يتعد 4 نقاط تقع كلها في دائرة أن النتيجة قد تذهب في أي من اتجاهي الموافقة أو الرفض. وثانيها أن الاستطلاعات قد تكون نافية لنفسها لأنه مع الثقة الكبيرة بفوز هيلاري فإن نسبة من أنصارها لن تجد ضرورة للذهاب إلى صناديق الاقتراع، ومن ثم ينقلب الوضع ويفوز ترامب الذي يضمن أصوات جميع أنصاره المتعصبين له ولآرائه. وثالثها أن الأميركيين مغرمون بالتغيير، وقد قضى الديمقراطيون ثماني سنوات في البيت الأبيض تحت قيادة أوباما ولم يعد هناك بد من تجربة أخرى.
أما إجابتي عن السؤال الثاني فهي أكثر تعقيدا لأن الوهلة الأولى تشير ليس إلى من سيكون مفيدا للعرب، وإنما من سيكون أقل ضررا. فسجل ترامب في معاداة العرب والمسلمين واضح، فهو من بين الساسة في أميركا كان الأول الذي أعلن عن وقف دخول المسلمين، وبينهم كثرة من العرب، إلى الولايات المتحدة. وهو الذي أعلن عن ضرورة المراقبة الخاصة للمواطنين الأميركيين المسلمين والعرب ووضعهم تحت ميكروسكوب أمني خاص. باختصار فإن ترامب وضع العرب والمسلمين في قاع السلم العنصري الذي تبناه ووضع فيه المرأة والسود واللاتينيين وجنسيات وأعرقا أخرى. وأكثر من ذلك فإنه وعد ناخبيه باستخلاص نوع من الضريبة على البترول العربي لكي تحصل واشنطن على أجر حمايتها لدول الخليج العربي، فضلا عما سماه الدفع المباشر كنوع من الجزية لبقاء أميركا حليفا عسكريا في مواجهة تهديدات دول إقليمية مختلفة. ورغم أن هيلاري كلينتون لم تبد وجهات نظر مماثلة، فإن آراءها لا تختلف كثيرا عن آراء باراك أوباما التي أبداها في حديثه لمجلة «أتلانتيك» التي نوه فيها إلى تخلف البلدان العربية، وسجلها المنافي لحقوق الإنسان وبعدها عن الديمقراطية، إلى آخر ما هو معروف من وجهات نظر سلبية. الغريب أن كلا المرشحين على سلبية مواقفهما من الحقوق العربية عامة، وعدم تقديرهما للدور الذي تقوم به الدول العربية في العمل من أجل استقرار المنطقة، وحربها ضد الاتحاد السوفياتي السابق والإرهاب في الحاضر، وحفاظها على توازن أسواق الطاقة العالمية؛ فإن كليهما يعلن اعتماده على دول الشرق الأوسط العربية في هزيمة «داعش».
ولكن الوهلة الأولى دائما خادعة، وفي أحسن الأحوال ليست كافية، ولذا فإن الإجابة عن السؤال الثاني تبين أن فائدة أو ضرر الرئيس الأميركي سوف تتوقف بشكل رئيسي على الدول العربية ذاتها وطريقتها في إدارة العلاقات مع واشنطن. ومن الثابت أن الذاكرة الأميركية ضعيفة، فلا هي تحسب جيدا الدور العربي الكبير في توفير مصادر الطاقة التي كانت ضرورية للجيوش الغربية أثناء الحرب العالمية الثانية، وهي أن أيا من الدول العربية، فيما عدا التجربة الفاشلة لليمن الجنوبي، لم تتحول إلى الشيوعية بل كانت منيعة أمام محاولات التوسع السوفياتية. وفي الحقيقة فإن انهيار الاتحاد السوفياتي وانتصار الغرب في الحرب الباردة كان في جزء منه نتيجة التعاون العربي الأميركي والغربي بوجه عام. ولكن المسألة لا تتوقف فقط على الذاكرة الأميركية، وإنما على ما يجري في الحاضر، وما سوف يحدث في المستقبل، وفي كليهما فإن المصالح المشتركة عميقة ولازمة لكلا الطرفين العربي والأميركي وليس لطرف واحد.
إدارة العلاقات العربية الأميركية إذن هي مفتاح موقف الرئيس الأميركي، وهذه بدورها تتوقف بشدة على مدى تماسك الموقف العربي كله إزاء القضايا المختلفة الواقعة في علاقات الطرفين بداية من القضية الفلسطينية في الماضي، إلى مواجهة الإرهاب في الحاضر، واستقرار أسعار النفط في كل الأوقات. ودون أن يكون في الأمر مبالغة فإن العلاقات المصرية السعودية، والخليجية بشكل عام، تمثل حجر الزاوية في هذا الموقف العربي. هذه العلاقات تواجه الآن ثلاثة أخطار: خطر الإنهاك الذي ترتب على موجات ثورية عرفت على سبيل التدليل بالربيع العربي؛ وخطر الإرهاق الناجم عن مواجهة نتائج ما جرى مصحوبا باستغلال دول إقليمية للحالة العربية المتردية وتقع إيران في مقدمتها؛ وخطر الشكوك والهواجس التي تتولد عن قصد من قبل من يكرهون هذا النوع من التضامن العربي، وعن غير قصد لأن أصحاب المصلحة لا يقومون بما يكفي لحمايتها. ومن المحزن أن الأزمة المفتعلة الأخيرة في العلاقات المصرية السعودية قامت في واقعة لقرار في مجلس الأمن كان الجميع يعلمون أن روسيا سوف تحبطه بحق الفيتو، وقرار آخر كان معلوما أنه لن يمر لأنه لا توجد لديه أصوات كافية.
حماية العلاقات المصرية السعودية والخليجية بشكل عام ضرورية لأسباب كثيرة؛ أولها مصالح أطرافها، وعودة الاستقرار للمنطقة، وحتى العلاقات مع الأطراف الخارجية سواء كانت روسيا أو بالتأكيد الولايات المتحدة. هنا فإنه يمكن التذكير ليس بالعلاقات الديموغرافية والاقتصادية والاستراتيجية بين الطرفين العربيين فقط، وإنما بحالة العلاقات التي سمحت لمصر بأن توقف موجة التقدم الإرهابي في المنطقة، وأن تضع الطرفين معا في مقدمة العمل من أجل ترتيب مستقبل المنطقة بعد مرحلة عاصفة. وإذا كانت الأصول في المصالح واضحة فإن جوهر المسألة يصير في إدارة هذه المصالح ومن بينها التعامل مع الولايات المتحدة التي هي من الأهمية بحيث لا يمكن تجاهلها، وهي من الخطورة بحيث لا يمكن لطرف عربي واحد التعامل معها. وخلال الفترة القصيرة الماضية كانت مصر ضحية استهداف واضح من الإدارة الأميركية الحالية لم يمكنها التعامل معه دون العون السعودي والخليجي؛ واليوم فإن قانون «جاستا» يوحي بالاتجاه الذي تسير عليه السياسة الأميركية أيا من كان فائزا في الانتخابات الأميركية، وهي مواجهة تحتاج أكبر درجات التضامن والعمل المشترك، وهي مسألة يجب أن تبدأ الآن وليس غدا.