محمد رُضا
صحافي متخصص في السينما
TT

الحب والكره ثم الشللية

يكشف سمير زكي، عالِم العصبيات في كلية لندن للشؤون المتعلقة بالأعصاب، وبعد دراسة أجراها على سبعة عشر شخصًا، أن هناك ما سمّاه بـ«شبكة الكره» تنطلق من خلايا عصبية موجودة في مقدّمة الجانب الأيمن من المخ. ووجد أن بعض تلك الخلايا هي ذاتها التي تتعامل مع الحب، مما يفسر لماذا يبدو الحب والكره عملتين لوجه واحد.
لكن هذا الكشف أثار الشكوك، حسب مجلة «سيانتيفك أميركان» في عددها الأخير. البروفسور سكوت هيوتل من «جامعة دوك» الأميركية قال إن هذه النظرية ما زالت في بدايتها مما يجعل من المبكر اعتمادها».
لست عالِما في أي اختصاص لكن الله سبحانه خلقنا لنتعلم ونقرأ. وقراءة هذا الموضوع قادتني للبحث عن أصول الحب والكره خصوصًا وأنني لست متأكدًا من أنهما بالفعل وجهان لعملة واحدة أو أنهما يسكنان القلب معًا، كل يحاول إزاحة الآخر ليستأثر بالمشاعر أو ليستولي عليها كلها.
وجدت بعض ضالتي في موقع اسمه «عالَم عالِم النفس» Psychologist world.com الذي لا يتحدث كثيرًا عن الأعصاب كمصدر للمشاعر، لكنه يؤكد مسائل مهمة أخرى ومجملها أن الكره، حال وجوده، يبدأ بالعمل على الإنسان من الداخل فهو «حالة مزاجية من الشعور بالذنب والكبرياء تؤصّل أفكارًا هدامة». ويضيف المرجع أنه إذا ما توجهت هذه الأفكار صوب أشخاص آخرين تمثلت بالشعور بالكبرياء والتعالي، أما إذا توجهت صوب صاحبها فإنها تترجم كمشاعر ذنب. ويمضي الموقع في نصّه ليصف حال الكارهين: «تشويه سمعة الآخرين ونقدهم يمثّل الغيرة أما نقد الذات فيرتفع لدى صاحبه لحس بالمثالية».
في يقيني المتواضع أن الله سبحانه خلق فينا الحب بينما نحن من نبتدع في أنفسنا كل المشاعر السلبية كالحقد والكره والغيرة والشعور بالدونية وسواها. وأن أكثر الناس حبًا هم أكثر الناس تفاؤلاً وطيبة وتمتعًا بالإيجابية في التعامل مع النفس ومع الآخر مما يكسبهم ثقة لا تتوفر لدى السلبيين من الناس.
لا أدري إذا كان الحب والكره مصدرهما المخ، لكن إذا ما سقط أحدنا في خطأ ناتج عن كره أو حقد أو ما شابه فإننا نوبخه ونقول له: «هل أنت بلا مخ؟»، لأن المخ في مفهومنا الشعبي لا يعني سوى الذكاء («استخدم مخّك») بينما هو عند العلماء جهاز معقد جدًا من الخلايا والأعصاب والرقاقات (Chips) التي تختزن ما لا يمكن لنا أن نفهمه من مسائل. في النهاية، يتبدّى أن الإنسان ما هو إلا عجينة يستخدم كل أطرافه ومشاعره تبعًا لتوجيهات الدماغ إيجابية كانت أو سلبية.
وإذا كان ذلك صحيحًا، فإن القلب الصافي والطيّب هو تخزين مباشر لمشاعر وردت إليه من الرأس، وإذا كان عكس ذلك، فهو أيضًا تخزين مباشر لمشاعر وردت من المصدر ذاته.
على نحو ما يقودنا ذلك إلى العصبيات والشللية. هي متكاثرة وموجودة في المكتب وفي الشارع وفوق ذلك ودونه، لكن الحديث فيها يطول جدًا. ما يمكن اختصاره هنا هو أنها مؤثر فعّال لهدم الطاقة وتعطيل التقدّم إذا ما كانت نتيجة تلك المشاعر السلبية، وهي تمامًا عكس ذلك إذا ما كانت نتيجة صداقات إنسانية قائمة على البذل المشترك والحب من دون مصالح والرغبة في بناء الفرد والمجتمع والوطن على أسس سليمة.