مسعود أحمد
* مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بصندوق النقد الدولي
TT

الإصلاحات الاقتصادية ضرورية لمنطقة الشرق الأوسط

تمر بلدان منطقة «الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفغانستان وباكستان» (MENAP) بمنعطف حرج. فهبوط أسعار النفط يفرض ضغوطا على سلامة المالية العامة في البلدان المصدرة للنفط، والصراعات تهدد أرواح المواطنين وأمنهم في مختلف أنحاء المنطقة. كذلك تواجه المنطقة ضغوطا ديموغرافية حادة يمكن أن تترك ملايين الشباب دون عمل على المدى المتوسط.
وهذه تحديات ليست مما يمكن مواجهته ببعض التعديلات أو أنصاف الحلول. ففي هذا المناخ السائد، تواجه بلدان المنطقة حاجة ملحة لإجراء تحول في اقتصاداتها ليس فقط للتكيف مع معطيات الواقع الراهن، وإنما للاستفادة أيضا من فرص الغد.
واستمرار أسعار النفط المنخفضة جزء من الواقع. فرغم التعافي الذي تحقق في الشهور الأخيرة، من المتوقع أن تظل أسعار النفط في حدود 50 - 60 دولارا على مدار الخمس سنوات المقبلة. وقد كان هبوط هذه الأسعار على مدار العامين الماضيين مصدر معاناة لكثير من البلدان المصدرة للنفط في المنطقة التي يتوقع أن تقل إيرادات ماليتها العامة المرتبطة بالنفط بمقدار 400 مليار دولار هذا العام مقارنة بعام 2014.
وهناك خطر آخر يهدد النمو القابل للاستمرار في المنطقة وينبع من الصراعات التي تؤثر على نحو 90 مليون نسمة في العراق وليبيا وسوريا واليمن، والظروف الأمنية الهشة بالنسبة لعدد آخر يبلغ نحو 60 مليون نسمة من سكان البلدان المجاورة. وقد أزهقت أرواح أكثر من نصف مليون نسمة في الصراعات الأخيرة، كما تواجه المنطقة أزمة لاجئين غير مسبوقة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وبالإضافة إلى التكاليف الإنسانية الباهظة، تتسبب الصراعات في اضطرابات أمنية واقتصادية خطيرة في مختلف أنحاء المنطقة.
ونتيجة لذلك، أصبحت آفاق النمو ضعيفة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفغانستان وباكستان. ويتوقع عدد أكتوبر (تشرين الأول) 2016 من تقرير آفاق الاقتصاد الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، أن يبلغ النمو غير النفطي 1.8 في المائة في 2016 و3 في المائة في 2017 في دول مجلس التعاون الخليجي المصدرة للنفط. وما لم تتحسن معدلات النمو هذه، فلن تتوافر فرص عمل لمليون شخص من الداخلين إلى سوق العمل في دول المجلس بين الآن وعام 2021. وخارج مجلس التعاون الخليجي، يكاد النمو غير النفطي يتلاشى هذا العام، وهو ما يرجع في الأساس إلى الصراعات في العراق وليبيا واليمن. وتحقق البلدان المستوردة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفغانستان وباكستان أداء أفضل، حيث يُتوقع أن يبلغ النمو 2.6 في المائة في 2016 و4.2 في المائة في 2017. غير أنها تواجه تحديا في توفير فرص العمل أيضا لأن واحدا من بين كل أربعة شباب لا يعمل.
وقد اتخذت بلدان المنطقة في الآونة الأخيرة عددا من الخطوات المهمة للتكيف مع هذه البيئة المحفوفة بالتحديات.
فمعظم البلدان المصدرة للنفط بدأت في كبح الإنفاق للتكيف مع انخفاض إيرادات النفط، بما في ذلك خفض الدعم على البنزين والكهرباء والغاز والمياه. غير أن هناك مجالا لعمل المزيد بالنظر إلى بقاء أسعار هذه البنود أقل كثيرا من مستوى المعايير الدولية. وهناك بلدان أخرى أيضا بدأت تنظر في إنفاقها على الأجور. وبدأت دول مجلس التعاون الخليجي تتحرك نحو اعتماد ضريبة القيمة المضافة.
كذلك خفضت البلدان المستوردة للنفط دعم الطاقة، وتستخدم بعض مدخراتها في زيادة الاستثمار في البنية التحتية العامة.
وبالنسبة للبلدان المصدرة والمستوردة للنفط على حد سواء، سيكون من الضروري تقييد الإنفاق الحكومي في السنوات المقبلة، وإدارة الحيز المالي الأضيق بصورة أفضل عن طريق توجيه الإنفاق المتاح نحو المجالات التي تحقق أكبر عائد، مثل التعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية.
غير أن المنطقة ستحتاج في الاثني عشر شهرا المقبلة ولسنوات طويلة لاحقة إلى إجراء سلسلة من الإصلاحات الهيكلية لزيادة تنويع الاقتصاد بقيادة القطاع الخاص وتعزيز ديناميكيته.
وقد وضع عدد من البلدان المصدرة للنفط مجموعة من الخطط لتنويع الاقتصاد، بما في ذلك التركيز من جديد على القطاعات الاستراتيجية مثل الخدمات اللوجيستية، والسياحة، والطاقة، والخدمات المالية. وهناك عدة بلدان أعلنت خططا لخصخصة حيازات الدولة، وتشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتحديث قوانين الاستثمار والعمل بما يدعم الاستثمار الأجنبي المباشر. ويتمثل التحدي الراهن أمام هذه البلدان في مواصلة تنفيذ الخطط الموضوعة على نحو حازم مع الأخذ باستراتيجية واضحة للإفصاح يمكن من خلالها تفسير مزايا هذه الإصلاحات للجمهور.
وبالنسبة للبلدان المستوردة للنفط، يجب أن تعالج إصلاحاتها الهيكلية ضعف البنية التحتية للاتصالات السلكية واللاسلكية ونقص الكهرباء والوقود والمياه، وكلها تشكل عقبات أمام النشاط الاقتصادي. ولا تزال المشروعات الصغيرة والمتوسطة تعاني أيضا من عدم توافر الائتمان المصرفي حيث تواصل البنوك إعطاء أفضلية لكبار المقترضين كالحكومات والمؤسسات المملوكة للدولة. ومن شأن زيادة مرونة سعر الصرف أن تؤدي أيضا إلى إعطاء دفعة للتنافسية.
ونظرا لهذا الواقع الاقتصادي المتجذر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفغانستان وباكستان، يتعين على هذه البلدان أن تواصل إصلاح اقتصاداتها لمواجهته. وقد كانت الإجراءات المتخذة في العامين الماضيين خطوة مهمة على هذا المسار. غير أن الأمر يتطلب مزيدا من التقدم - لسنوات طويلة خصوصا في الاثني عشر عاما المقبلة - لتحقيق الإمكانات الكاملة لهذه الاقتصادات وتحقيق طموحات الشباب في المنطقة.
* مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي