أمل عبد العزيز الهزاني
أستاذة في جامعة الملك سعود في السعودية. باحثة في علوم الوراثة الجزيئية. خبيرة في الإدارة الأكاديمية. كاتبة سياسية منذ عام 2009. كاتبة مقال أسبوعي في «الشرق الأوسط».
TT

تحرير الموصل.. معركة تجميل الصورة

من شدة دوران ماكينة الدعاية لمعركة تحرير الموصل، يخيل إلى المرء أنها معركة ضد تيمورلنك التتري، أو الإسكندر المقدوني الإغريقي. تأهبت لها كل الأطراف المعنية بالشأن العراقي بكل عدتها وعتادها؛ الولايات المتحدة الأميركية بطائراتها واستخباراتها الإرشادية وقوات فرنسية، والجيش العراقي مع ميليشيا «الحشد الشعبي» الشيعية المكونة من أكثر من 42 فصيلا، وأفراد من العشائر السنية، والحرس الثوري الإيراني بقيادة قاسم سليماني، إضافة إلى خمسة آلاف عنصر من البيشمركة؛ القوات الكردية الرسمية لإقليم كردستان العراق. تعبئة هائلة من قوات منظمة، مدربة، مجهزة، تحاصر المدينة بدأت في تحرير القرى المحيطة والتوجه إلى أطراف المدينة ثم قلبها، مع شهية مفتوحة للقوات التركية للانضمام إلى هذه الحرب التي تحاصر فيها الجيوش المدججة مدينة يعلم سكانها سلفًا موعدًا تقريبيًا للمعركة الفاصلة.
هذه الحرب هي رد اعتبار للجيش العراقي، والامتحان المهم لقوته، لكنه في الحقيقة ليس امتحانًا صعبًا بالنظر إلى حجم الدعم والاستعدادات والزمن الذي استغرقته هذه الاستعدادات. فمع نحو 30 ألف عنصر متأهبين للمعركة، مع دعم جوي أميركي وفرنسي، يواجهون نحو 5 آلاف من عناصر تنظيم داعش، لا يمكن القول إنها معركة متكافئة، الأقرب أنها معركة تحسين سمعة وتلميع صورة الأطراف المتحالفة، ولهذا السبب الكل يريد فضل الانتصار المتوقع أو اقتسامه، حتى إن تركيا التي مارس رئيسها كل الضغوطات على الحكومة العراقية للمشاركة الميدانية في الحرب، وتم رفض طلبه، عاد ليذكّر العراقيين أن 1500 عنصر من المشاركين في المعركة دربتهم قواته في معسكر بعشيقة شمال الموصل.
من المهم استعادة أحداث يونيو (حزيران) 2014، حينما استولى التنظيم على مدينة الموصل وسط هروب قوات الجيش العراقي وانسحابهم جنوبًا، في حادثة أشبه بالفضيحة وصم بها الجيش العراقي من يومها، وظلت موجعة له حتى مع تحقيقه انتصارات على التنظيم في بيجي وسنجار والفلوجة والرمادي. هل «داعش» اليوم هو «داعش» قبل عامين؟ التنظيم، بخلاف كل الدول التي تتصدى له، يدير أكثر من معركة مكلفة ومرهقة في وقت واحد، في سوريا والعراق، إضافة إلى ليبيا وسيناء. وهو اليوم يواجه تحديات كبيرة خاصة في شمال سوريا، حيث استعادت قوات المعارضة السورية قبل أيام قرية «دابق» في ريف حلب الشمالي. معركة الموصل قطعًا ليست متكافئة، ولا يفترض بحسب المعطيات أن يطول حسمها لصالح التحالف. حتى الخوف من استخدام «داعش» للسكان المحليين كدروع بشرية لم يكن عاملا مؤثرًا في سير المعركة التي بدأت بقصف مدفعي وجوي مكثف. لا يوجد ما يعوق الانتصار المؤزر وقتل وتشتيت عناصر التنظيم خلال وقت قريب، وإعلان أكبر هزيمة حسية ومعنوية له منذ ظهوره.
الأمر الوحيد المقلق بشأن هذه المعركة، هو الخوف من تكرار الميليشيا الشيعية المعروفة بـ«الحشد الشعبي» لمجازر وانتهاكات إنسانية بحق سكان الموصل البالغ عددهم مليونًا ونصف المليون معظمهم من العرب السنة، مثلما ارتكبت من أعمال وحشية وفظائع ضد سكان الفلوجة والرمادي خلال تحريرهما من «داعش». يعزز هذه المخاوف، تصريحات قادة هذه الميليشيا أنفسهم، والنبرة الطائفية التي تعلو خطابهم، وربط ذكرى عاشوراء ومقتل الحسين بن علي بمعركة الموصل. هذا الربط جاء على لسان عيسى الخزعلي قائد ميليشيا «عصائب أهل الحق» أكبر فصائل «الحشد الشعبي» الذي يجد في الموصل فرصة الانتقام من قتلة الحسين. القوات الأميركية أبقت على مهمة هذه الميليشيا الطائفية لعمليات الإسناد في الجنوب، في الوقت الذي لم تسمح للقوات التركية بالمشاركة حتى الآن، وتركت الميدان بشكل أساسي للبيشمركة والجيش العراقي، وتأمل واشنطن أن تسير أحداث المعركة وفق هذه الخطة المتفق عليها.
كل من يشارك اليوم في تحرير الموصل لديه مأربه الخاص؛ الرئيس الأميركي باراك أوباما بحاجة للانتصار في هذه المعركة تحية خروج من البيت الأبيض بعد إخفاقات وتلكؤات شابت مواقفه من القضية السورية وعلاقة إدارته بإيران، والعبادي يقاوم ابتزاز وضغوط خصمه نوري المالكي الذي سقطت الموصل أثناء فترة رئاسته ويأمل في انتصار يكيد به خصمه، والأكراد يشعرون أنهم يدافعون عن حدود إقليمهم ويخلصونه من العدو المتطفل الذي يهددهم ويستهدف سرقة نفطهم، كما يعزون دورهم في التحالف الدولي ضد «داعش» بموازاة الجيش العراقي، والإيرانيون يلعبون داخل ملعبهم الذي يحكمونه، بعد أن خسروا سوريا لصالح الروس. أما تركيا فقد كانت حريصة، ولا تزال، على الانضمام لقوات التحرير، بذريعتين؛ الأولى أن الحكومة العراقية طلبت منها الدخول إلى الأراضي العراقية وبناء معسكر بعشيقة للتدريب في عام 2014، والثاني تصريح إردوغان الذي جاء فيه أن «أهله» في الموصل يناشدونه التدخل، في إشارة خطيرة إلى أن تركيا لا تزال تنظر للموصل على أنها جزء من التركة العثمانية، وأن تدخلها مبني على هذه النظرية، وليس لطرد «داعش» أو منع الميليشيات الشيعية المستقوية من التنكيل بأهل الموصل السنة، كجماعتهم السنة الآخرين الذين نالوا نصيبًا كبيرًا من التعذيب والتشريد والتنكيل في شمال سوريا، على التخوم التركية، منذ 5 أعوام، ولم ينتصر لهم أحد. بلا تنسيق بين الحكومتين العراقية والتركية، سيؤجج التدخل التركي نارًا طائفية من ناحية، وسيصعد الموقف الكردي القومي ضد فكرة الانتماء لتركيا، وهذا سينعكس سلبًا على مستقبل العراق ما بعد تحرير الموصل، وعلى الوضع شمال سوريا.

[email protected]