سوسن الشاعر
إعلامية بحرينية تكتب في بعض الصحف البحرينية منها «الوطن» و«بوابة العين الإخبارية». عضو في مجلس أمناء «جائزة الصحافة العربية». كانت مقدمة لبعض البرامج التليفزيونية. خريجة جامعة بيروت العربية.
TT

«جاستا».. أداة ابتزاز مكشوف

هل هناك أوضح من مسرحية فيتو جاستا؟ يذكرني الجهد المحدود أو اللاجهد إن صح التعبير المتمثل في الخطاب اليتيم الذي ألحقه أوباما بالفيتو معترضا على قانون جاستا، ومطالبا الكونغرس بإعادة النظر فيه، بالحملة (الكمبين) الضخمة التي عمل عليها هو وفريقه لتمرير الاتفاق النووي الإيراني الأميركي، شتان بين الجهدين.
الحملة لتمرير الاتفاق النووي مع إيران استمات فيها أوباما وفريقه لتبييض وجه إيران، فمنع معلومات وحجبها ومرر معلومات أخرى ووظف الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وألقى بعظمة الوعود للمستثمرين الأميركيين بعقد الصفقات مع إيران، ولوح بالكثير منها في حال تم الإفراج عن الأرصدة المجمدة، حتى شبه البعض وزير الخارجية الأميركي جون كيري بسمسار إيراني لا وزير خارجية أميركي! مقابل كلمة قصيرة ألقاها مرة واحدة عن تبعات قانون قدمه عضو من حزبه!! أن موقفه الذي تصنع به الاعتراض على جاستا يتسق مع عقيدته التي صرح بها العام الماضي، أي على قدر تعاطفه مع المملكة اجتهد في منع القانون!
أوباما لم يكتف بتسويق إيران كدولة ذات سياسة معتدلة، بل رضخ لابتزازها وقبل الدفع لها لفك أسراه عندها، وتنازل عن كل ما كانت تدافع عنه الولايات المتحدة من قيم ومبادئ ترفض فيها الخضوع للابتزاز أو دفع فدية لإطلاق سراح الرهائن، بذل كل ذلك الجهد من أجل أن لا يفسد موضوع ما أو قضية عالقة على عملية التصويت أو على تمرير الاتفاق، فإن أرادوا الدفاع عن مشروع يؤمنون به يعرفون كيف يدافعون، أما في دفاعه عن السعودية فقد فعل ما يعتقد أن يبرئ ذمته تماما أمام المملكة.
نقض الفيتو عملية مضحكة لشدة وضوحها ومحاولة تمريرها بإخراج مسرحي ركيك، أخرجت به هذه الإدارة قصة التصويت والفيتو، استغرق تمرير الاتفاق الإيراني الأميركي وقتا كافيا أعطى فرصة لجمع الأصوات للتأثير في التصويت، بعكس (سلق) البيض الزمني الذي صاحب الفرق بين وقت الفيتو الرئاسي وإعادة التصويت في اليوم التالي، العملية واضحة جدا أنها مبيتة وجاهزة وأنها ابتزاز رخيص مفضوح، حتى مخرج مسرحية جاستا فاشل لم يمهلوه كي يحبكها جيدا!
الخلاصة، نعم نحن مستهدفون، أما لمَ؟ وما الذي عندنا؟ وما المصلحة؟ فالإجابة إضافة إلى إقرارهم بها في مذكراتهم وأدبياتهم ودراساتهم المنشورة، بأن مشروع تقسيم المنطقة يحقق المصلحة الأميركية الإسرائيلية العامة، فإن الانشغال بالسؤال والبحث عن الإجابة هدر لوقت لا نملكه.
ما بين ناصح بالتريث عاقد على أمل ربما وعل وعسى يتجدد مع إدارة أميركية جديدة عاقلة تعيد الأمور لنصابها، وما بين يائس لعودة تلك الأيام الخوالي كالأمير تركي الفيصل، فإن ما يجب التركيز عليه هو استراتيجية جديدة وشاملة تحدد العلاقات الثنائية في ضوء هذه المتغيرات الجديدة، فإما أن تبنى العلاقات بيننا وبين الولايات المتحدة بناء على مصالح مشتركة، لا على تهديد وابتزاز، وإلا فإن من رسم الخط الفاصل بيننا وبينهم هم الأميركان لا نحن، إما أن تحدد أنت دورك ومكانك، وإما أن يحدد الآخر لك هذا الدور.
لسنا طلاب عداوات إنما يستلزم بناء العلاقات بين طرفين نزع رقبتك من يد المبتز أولا دون الحاجة لمناصبته العداء.
وهنا السؤال لم نترك أداة ابتزاز ضدنا عند أي طرف؟ لم نضع بيضنا في سلة واحدة؟ المملكة أحوج ما تكون لتلك المدخرات المحبوسة هناك في الوقت الحالي في مثل هذا الظرف؟ إن كانت المسألة تنوعا في الاستثمار وتقليلا للمخاطر، فها قد ثبت أن بقاء الأموال عند الولايات المتحدة هو أكبر المخاطر على الإطلاق، وإن كان سحبها سيسبب خسائر للمملكة؟ فهل بقاؤها سيجني الأرباح إن جمدت أو صودرت؟
عساها خيره.. المملكة الآن تحتاج إلى إعادة النظر في دورها الإقليمي والدولي بشكل عام، والمملكة بحاجة بجاستا ومن دونه إلى السيولة لا لصرفها على نفقات استهلاكية، إنما لوضعها في بناء بنية تحتية لقواعد اقتصادية داخل المملكة تغنيها عن النفط.. أليست هذه أهداف رؤية 2030؟
عساها خيره.. المملكة تملك مقومات النهضة بعد أن استثمرت في الإنسان السعودي، ومن يملك البشر يستطيع أن يبني الحجر، وسواء كانوا يستهدفوننا أو لا يستهدفوننا، فإن منحهم سيفا يسلطونه على رقابنا جريمة نتحمل نحن وزرها ومسؤوليتها.