حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

مع إردوغان وغولن مرة أخرى

يبدو أن مقالي الأخير «لا تشيطنوا جماعة غولن» قد أثار جدلا بين عدد من القراء والمثقفين، وعدد ليس بالقليل من الأصدقاء، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، هذا غير الأغلبية الصامتة، وأعترف أن المعترضين منهم أكثر من الموافقين، ومن حقهم عليَّ وعلى القراء الأعزاء أن أعرض هنا بعض نقدهم ووجهات نظرهم وتساؤلاتهم، ووجهة نظري وإجاباتي المختصرة حيالها.
يقول أحد المنتقدين: «كيف تنكر أن حركة غولن إرهابية، وهي التي استخدمت قذائف الدبابات وقصف الطائرات مع شعب أعزل، وعرَّضت وطنا بأكمله للانزلاق نحوى فوضى مدمرة تأكل أخضر تركيا ويابسها؟»، وفي تقديري إن الصراع على السلطة مهما بلغت درجة العنف فيه لا يضفي على أحد طرفي القتال وصف الإرهاب، وإلا كان من لازمه استمرار صفة الإرهاب على كل منقلب في القديم والحديث، سواء نجح انقلابه أو فشل، وهذا ما لا يقره شرع ولا عرف ولا قانون، الإرهابي إرهابي بأدبياته ومرجعيته كما هو الحال مع الحركات الإرهابية الصريحة «داعش» و«القاعدة» والجماعات المتشددة في مصر ومن دار في فلكها، وكلنا يعرف أن تهمة الإرهاب صارت تتسم بالرشق غير المتوازن، وتستغل في الصراعات الدولية والسياسية والمحلية، فيُصوب نحو المخالف سياسيا وفكريا بحق وبغير حق، والاعتراض على وصف جماعة غولن بالإرهابية لا يتعارض مطلقا مع تجريم الانقلاب في تركيا واعتباره خيانة وطنية كبرى وتأييد تطبيق القانون بصرامة وحزم وحسم على عاصره ومعتصره وشاربه وحامله والمحمول إليه وبائعه ومبتاعه فقط، مع الحفاظ على البنية التعليمية والتربوية والإغاثية لهذه المؤسسة الكبيرة، ثم إذا كان ناموس الصراع السياسي يتفهم التهم اللاموضوعية بين المتنافسين، فلا يليق بالنخب أن تسلم بها فقط، لأنها صدرت ممن تميل إليه وتسانده.
ويعترض قارئ آخر على المقال فيقول: «أنت لا تدرك أن حركة غولن مشبوهة ولزعيمها هرطقات في اعتقاده، ولهذا فما فعله ويفعله الزعيم التركي إردوغان قليل في حقهم»، وهذه التهم لم نكن نسمعها قبل اندلاع الخلاف بين إردوغان وغولن، فهي موجودة فماذا يعني بعثها من مرقدها الآن؟ جماعة غولن مع الاختلاف الموجود في مناهجها عن حزب إردوغان وأستاذه نجم الدين أربكان، إلا أن كلا الفئتين «الدعويتين» تنهلان من مدرسة سعيد النورسي أحد علماء الإصلاح الديني والاجتماعي في تركيا، ولا ننسى أن أولاد الرئيس إردوغان نفسه وعددا من أولاد كوادر حزب العدالة والتنمية قد تعلموا في مدارس جماعة غولن.
ويقول أحد الناقدين للمقال: «كأنك تجهل أو تتجاهل الفضائح التي أطلقها لطيف إردوغان أحد رموز حركة غولن المنشقين في القنوات الفضائية»، وفي تقديري أن أي مراقب منصف محايد لن يُسلم بأقوال من له خصومة مع من انشق عنهم، إذ تندر الموضوعية والقول العدل، ويحل محلها الهوى وحظوظ النفس والانتقام للذات، قلناها بالأمس في حق من انشق عن حركة الإخوان المسلمين وغيرها من الأحزاب والتوجهات الإسلامية وغير الإسلامية، ونقولها اليوم في حق من انشق عن حركة غولن، ولو أننا سلمنا بحكم كل من يختلف مع حركته لسلمنا بالحكم القاسي للزعيم التركي نجم الدين أربكان على تلميذيه إردوغان وعبد الله غل، حين صرح بانحرافهما وأنهما أداة بيد المؤامرة الصهيونية، وهذا ما نرفضه جملة وتفصيلا، وما أجمل كلام القدماء (كلام الأقران يُطوى ولا يُروى)، وللحديث بقية.