طارق الحميد
صحافي سعودي، عمل مراسلاً في واشنطن. تدرَّج في مناصب الصحيفة إلى أن أصبحَ رئيس تحرير «الشرق الأوسط» من 2004-2013، ورئيس تحرير مجلة «الرجل» سابقاً. محاضر دورات تدريبية في الإعلام، ومقدم برنامج تلفزيوني حواري، وكاتب سياسي في الصحيفة.
TT

إردوغان يبتعد مسافة خمسة أشهر!

التقى الرئيسان التركي والروسي وسط حالة من الترقب في المنطقة، والغرب، وردد إردوغان عبارة «صديقي العزيز» للرئيس الروسي ثلاث مرات بعدة دقائق، على أثر اجتماع استمر أربع ساعات، فهل ابتعد إردوغان عن استحقاقات بلاده، والقضايا الشائكة على حدوده، وأبرزها الأزمة السورية؟ هل أدار ظهره للناتو، الضامن الأمني لتركيا، وبالتالي الحليف الأميركي، وضرب بعرض الحائط كل الجهد الذي بذله مع الأوروبيين؟
من الصعب معرفة ذلك الآن، لأن انقلاب إردوغان على أميركا، والناتو، والاتحاد الأوروبي، يعني تهورًا مكلفًا، وسيكلف تركيا الكثير. إذن ما الذي يفعله إردوغان الآن؟ وما هي مكاسبه من عودة العلاقة مع روسيا التي اختارها كأول دولة يزورها بعد محاولة الانقلاب الفاشل؟ هل تتغير تركيا استراتيجيًا، أم أننا أمام لحظة من لحظات الانفعال الإردوغانية؟ القراءة الأولية تشي بأن إردوغان اختار معركته الحالية، أي التصعيد مع أميركا، بعناية، وإن مارسها بانفعال، وكما فعل إبان أزمته مع الروس عند إسقاط الطائرة الحربية، وها هو اليوم إردوغان في أحضان الرئيس فلاديمير بوتين. نقول إن الرئيس إردوغان اختار معركته بعناية لسبب بسيط، وهو أن ارتماءه الآن في أحضان بوتين يعد صفعة لإدارة الرئيس الأميركي أوباما.
وإردوغان يدرك جيدًا أن أوباما يعيش آخر فصوله في البيت الأبيض، وهو بمثابة البطة العرجاء الآن، وليس بوسع أوباما اتخاذ قرارات مفصلية ما لم يحدث زلزال سياسي عنيف في المنطقة، وعليه فإن تصعيد إردوغان الآن مع أميركا في قصة الداعية فتح الله غولن سيمنحه مزيدًا من الحشد التركي الداخلي، كما تصوره بالزعيم القوي الذي يتحدى أميركا، مما يصرف الأنظار كثيرًا عن كيفية عودة إردوغان لبوتين الآن. وعندما يفعل إردوغان ذلك، وربما هذا تقييمه الحالي، فإنه لن يخسر كثيرًا كون أوباما في آخر مراحله السياسية، ولا قيمة لرضائه أو زعله الآن، هذا عدا عن أن ما يجمع بوتين وإردوغان الآن هو كراهية الرئيس أوباما، وكلاهما، إردوغان وبوتين، يقحم المشاعر في السياسة.
وعليه فإن إردوغان يعيد توثيق العلاقة من روسيا الآن لتحقيق ما يمكن تحقيقه اقتصاديا، بعد قطيعة الثمانية أشهر، وقبل وصول الرئيس الأميركي الجديد، وبعدها يمكن أن يسعى إردوغان للتقارب مجددًا مع الأميركيين، ومن باب فتح صفحة جديدة مع الرئيس الجديد، وسيصور ذلك على أنه العقلانية بعينها، من قبل إردوغان، وأتباعه، وتطوى صفحة الأزمة الدبلوماسية بين أنقرة وواشنطن. وبالنسبة للأوروبيين يدرك إردوغان أن مجرد طي صفحة الخلاف مع أميركا ستعني طي صفحة الخلاف معهم. أما سوريا، فيدرك إردوغان أنه من الصعب تقديم تنازلات، أو مبادرات حقيقية هناك، وتحديدًا مع نهاية فترة أوباما، وهذا ما يدركه بوتين جيدًا أيضًا، وعليه فلن يجد إردوغان ضيرًا في الابتعاد عن أميركا مسافة خمسة أشهر ليعود بعدها مع الرئيس الجديد، وبالتالي فإن السؤال هو: ما هي كلفة مكوث إردوغان خمسة أشهر مع بوتين؟
[email protected]