د. شملان يوسف العيسى
كاتب كويتي
TT

هل تنجح الوسطية في الخليج؟

اهتمت دول الخليج العربية بنشر مفاهيم الوسطية والاعتدال في الإسلام، منذ أن انتشرت ظاهرة التطرف الديني والمغالاة في الدين، وبعدها الإرهاب. فاهتمت هذه الدول بتأسيس مراكز الوسطية التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لمعالجة ظاهرة التطرف الديني. لكن التجارب مع هذه المراكز، في الكويت مثلاً، لم تحقق الهدف المطلوب. ففي الكويت، أنشئت لجنة الوسطية التابعة لوزارة الأوقاف، منذ أن بدأت تظهر على السطح حالات التطرف والإرهاب، لإبعاد الشباب عن التطرف، وتوضيح مفهوم الدين الصحيح. المشكلة أن العاملين في وزارة الأوقاف بعضهم ينتمون لحركة الإخوان المسلمين. وقد بادرت كوادر الإخوان بالمهمة، رغم اعتراض التيارات القومية والوطنية والليبرالية على هذا التكليف. وكانت وجهة نظر الكتّاب المنتمين لهذه الحركات أن الإخوان جزء من المشكلة، فكيف يمكن الاعتماد عليهم لحل المشكلة؟
المهم، الحكومة لم تلتفت لوجهة النظر الأخرى، وباشرت لجنة الوسطية الإخوانية بجلب كوادر الإخوان من السودان، وفوجئت الحكومة بعد عدة سنوات على عمل اللجنة أن اللجنة لم تؤدِ الهدف من تشكيلها، لأن هذه اللجنة أصدرت عدة كتب وكتيبات، وألقت محاضرات وندوات في أوروبا وأميركا، لإقناع الأجانب بأن الإسلام دين وسطية واعتدال، وهذا أمر بديهي ومعروف. وبعد صرف الملايين، تم حل اللجنة قبل عدة أشهر.
الآن، أكد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الجديد يعقوب الصانع لعدد من نواب مجلس الأمة الكويتي، عزمه على إيجاد آلية عمل جديدة في مركز الوسطية خاصة بشأن الدروس الدينية والدعوية والمجتمعية. وطلب الوزير من المختصين تقديم تصور وخريطة طريق جديدة يسير عليها مركز الوسطية تدعم التسامح الديني الذي سارت عليه الكويت، مما يعزز الوحدة بين أفراد المجتمع الكويتي، وينبذ العصبية المذهبية والتطرف، ويرفض الفرقة والتشتت.
لقد جرت عدة محاولات في كل من مصر والسعودية لطرح فكر الاعتدال والوسطية، حيث نشرت الحكومة المصرية، عام 2002، دعاة معتدلين من قادة الجماعة الإسلامية المسجونين، الذين أصدروا قرارًا بوقف النار عام 1997، وقاموا بجولة بالسجون لإقناع أتباعهم السجناء بالتخلي عن العنف. وقد ألف هؤلاء القادة كتبًا لإدانة الصراع المسلح، وتأكيد العمل السلمي، ونشر أفكار التسامح والاعتدال. وكانت النتيجة هدوء الأمور لفترة محدودة، قبل أن يندلع الصراع الديني المدني ضد الدولة المصرية مرة أخرى، ولا يزال مستمرًا حتى اليوم.
السؤال الذي علينا طرحه: كيف يمكن نشر فكر الاعتدال والوسطية بين الجماعات الإسلامية المختلفة، خصوصًا إذا كانوا غير مقتنعين بالأفكار والآيديولوجيات الاجتماعية والسياسية الحديثة التي صنعها البشر، والتي تعطي الإنسان سلطة لإدارة حياته بأنظمة دنيوية؟ فهذه الجماعات ترى أنه لا سبيل للخلاص البشري إلا باتباع طريق الله. بمعنى آخر: هذه الجماعات لا تؤمن بالأنظمة الدنيوية المتنوعة التي نعيش تحت ظلها، سواء كانت أنظمة ديمقراطية أو اشتراكية أو قومية أو استبدادية، وهذا معناه رفض مفهوم الدولة الحديثة مهما كانت طبيعتها.
معظم حكوماتنا في الخليج غير مقتنعة بما تسعى إليه جماعات الإسلام السياسي، من خلال طرح مفهوم «أسلمة القوانين أو الدولة» التي تجمع تحتها كل المسلمين الذين يطمحون لرؤية الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية من خلال منظورهم الإسلامي الخاص بهم.
الإشكالية التي وقعت فيها الدول العربية والإسلامية اليوم في تعاملها مع حركات الإسلام السياسي هي محاولة احتوائها وتطويعها للإسلام التقليدي السائد.
واقع الحال، عمليًا وفعليًا، هو أن حركات الإسلام السياسي ترفض أي محاولات جادة لتجديد الخطاب الديني. لذلك، لا غرابة من محاربة جماعات التطرف الإرهابية للأفكار الجديدة التي يطرحها مثلاً حزب النهضة في تونس، الذي يؤمن بأهمية التحول الاجتماعي والاقتصادي والسياسي السلمي نحو تحقيق دولة الرفاه الاقتصادي والتنمية لمواكبة روح العصر، وإقامة دولة ديمقراطية ينتخب الشعب فيه ممثليه للبرلمان والرئاسة.