نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

فلسطين.. ازدحام المبادرات والأفكار

عجيب أمر القضية الفلسطينية، تارة تكون منسية، وفي أفضل الاحتمالات في ذيل قائمة الاهتمامات الإقليمية والدولية، حتى عند أصحابها الفلسطينيين، وتارة أخرى تحتل قمة الأولويات، وتتكاثر المبادرات حولها. ففي فترة زمنية وجيزة، يسعى الفرنسيون لعقد مؤتمر دولي حول القضية الفلسطينية، وتصدر اللجنة الرباعية، التي هي بمثابة اختصار للقوى الرئيسية في العالم، تقريرا خلاصته حتمية إيجاد حل للقضية الفلسطينية.
وبعد التقرير الصادم للفلسطينيين أكثر مما صدم الإسرائيليين، وصل وزير خارجية مصر السيد سامح شكري إلى تل أبيب، وعقد اجتماعا مطولا مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وعلى أهمية العلاقات الثنائية بين الجانبين في قضايا كثيرة، فإن القضية الفلسطينية كانت هي الأساس في اللقاء.
ويطفو على السطح، بتبسيط شديد، ما يمكن وصفه بالتنافس بين مبادرتين: الفرنسية التي تدعو إلى عقد مؤتمر دولي، والمصرية التي قد تسفر عن مؤتمر إقليمي يفضي إلى مفاوضات فلسطينية - إسرائيلية مباشرة تحت رعاية مصر، التي تبدو تاريخيا وجغرافيا واستراتيجيا الأكثر جدارة من غيرها في قيادة محاولة جديدة لفتح الأبواب بعد انغلاق محكم دام سنوات، فالفلسطينيون يطمئنون إلى مصر، والإسرائيليون لن يرفضوا الدور المصري، بل رحبوا به.
وهنا أحب أن أكون حسن النية في وصف الموقف الإسرائيلي، مع أن تاريخ نتنياهو في التعاطي مع السياسة، من كل جوانبها وبكل مستوياتها، يدعو إلى التزام الحذر في التعامل معه.
المصريون أصحاب الباع الطويل والمجرب في إدارة المفاوضات مع إسرائيل، الذين لا تخفى عليهم شاردة ولا واردة في الملف الفلسطيني، يدركون بعمق أن محاولتهم الجديدة لن تكون سهلة ولا سلسة، فقد رأوا جهود من سبقوهم، وكيف انتهت، بدءًا من الرباعية صاحبة خطة خريطة الطريق، وليس انتهاءً بأشهر كيري التسعة التي جعلت باراك أوباما يقدم نقدا ذاتيا، ويندم صراحة على وضع يد أميركا داخل «عش الدبابير». غير أن مصر، وهي تدرك كل ذلك، لم تقدم على محاولة كهذه إلا وقد درست جيدا أسباب فشل الجهود السابقة. وبداهة، فهي تدرك كيف يمكن تفادي هذه الأسباب في المحاولة الجديدة.
لن أتطرق إلى هذه الأسباب، فالمساحة هنا لا تكفي، فنحن نتحدث عن تجارب حلول حدثت على مدى عقود من الزمن، وآخرها وأهمها حدث في السنوات الأخيرة والأولى من القرنين العشرين والحادي والعشرين.
غير أن هنالك شروطا تبدو بديهية ينبغي استيفاؤها كي يكون النجاح ممكنا.. أولها بالطبع إقناع الحكومة اليمينية في إسرائيل بالإقلاع عن فكرة أنها تستطيع إقامة تحالف إسرائيلي عربي، تحت دعوى مجابهة إيران والإرهاب، ذلك أن للعرب قضية تسبق كل القضايا، هي القضية الفلسطينية التي من أجل حلها وضعوا المبادرة العربية للسلام، وطرحوها من خلال القمة كشرط ملزم لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، ولقد أشار الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى هذه النقطة بالذات حين أطلق الفكرة الأولى لمبادرته، مستخدما جملة جوهرية، مفادها أن «دفء السلام مع مصر لن يتم دون حل القضية الفلسطينية».
ثانيها أن يتشكل جدار عربي وإقليمي يدعم المبادرة المصرية، ويندمج معها، ويوفر لها كل أسباب النجاح. بديهي أن تكون مصر في هذه المحاولة الجديدة ممثلة لمعسكر الاعتدال العربي، الذي يضم القوى الأساسية المعنية مباشرة بحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أولا، وهذا بحاجة إلى اصطفاف أكثر وضوحا وراء مصر، أو إلى جانبها، لإقناع إسرائيل والعالم بأن مستقبل العلاقات السلمية مع العرب لا يدعو، بل يشترط حلا يقبله الفلسطينيون والعرب للقضية الفلسطينية.
وثالثها، ويبدو لي ممكنا أيضا، هو إيجاد صيغة تكاملية، وليست تنافسية بين المبادرات والأفكار والاقتراحات المطروحة لتحريك المسار الفلسطيني - الإسرائيلي، وتمكينه من بلوغ حلول. فما دام الهدف واحدا، وبات ملحا للجميع، فقد انتفى أي مبرر لعدم بلورة صيغة تكاملية بين المبادرات والاقتراحات والأفكار ذات المنشأ المختلف.
المبادرة المصرية لا تزال قيد الإعداد، ولم تتبلور بعد. والمبادرة ليست مجرد بنود وأفكار يجري التفاوض حولها في الغرف المغلقة، أو على موائد المفاوضات السرية والعلنية، فذلك جزء من العملية. وعلى أهميته، فهنالك ما هو أهم، وهو تهيئة المناخ الدولي لحتمية الحل لمعضلة الصراع العربي - الإسرائيلي وجذره الفلسطيني، وحين يتهيأ المناخ الدولي لذلك بصورة متقنة، فلن تجد إسرائيل مفرا من الاستجابة، ولو على مضض، فمن أين لها أن تواجه العالم كله؟