مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

بين حمزة وأبي حمزة الشاري

ذكرتني خطبة «الشاب» حمزة بن أسامة بن لادن، الأخيرة، بخطبة شبيه له في بطون التاريخ.
السلف التاريخي للشاب العشريني حمزة بن لادن، له قصة تحكى، نعود له بعد قليل، لكن دعونا مع «خطبة» حمزة الأخيرة، فسلفه، اشتهر أيضًا بالخطب الرنانة.
قال حمزة في خطبته المبثوثة مؤخرًا، بتسجيل صوتي بعنوان «كلنا أسامة» يعني والده، مخاطبًا الكل تقريبًا، ما عدا إيران:
«إن ظننتم أن جريمتكم الآثمة التي ارتكبتموها في (أبوت آباد) مرت من دون حساب فقد أخطأتم الظن وجانبكم الصواب، فالحساب عليها عسير ونحن أمة لا تنام على الضيم».
ثم أخذته العظمة في الخطابة والحماسة فقال:
«لا تزيدنا الأيام ولا طول الزمان إلا إصرارًا، وعما قريب ستعضون عليها أصابع الندم بإذن الله، والحرب سجال. وما تزرعونه اليوم يحصده أبناؤكم في الغد، وإن غدًا لناظره قريب».
هذا ما كان من خبر الشاب حمزة، ابن عصرنا، فماذا عن الشبيه القديم؟
هو من أشهر خطباء الخوارج في التاريخ، خصوصًا أن ثورته تعتبر من أخريات الثورات الخارجية الناجحة، في انصرام عهد بني أمية.
هو الإباضي المختار بن عوف، الشهير بأبي حمزة الشاري، سيره الإمام الخارجي عبد الله بن يحيى الملقب بطالب الحق للحجاز، فاحتل مكة والمدينة (129هـ) لأشهر، خطب فيهما خطبًا رنانة، وفصيحة، خلدتها كتب الأدب - عكس خطب حمزة بن أسامة، للأسف! - لكن يهمنا في خطب الخارجي أبي حمزة الشاري المعاني الخطيرة، ومما جاء بتلك الخطب، موبخًا أهل المدينة المنورة بسبب حنقهم على جيشه من «المراهقين» مزمجرا مذكرا بشباب الصحابة في فجر الرسالة:
«طوبى لهم وحسن مآب، فكم من عين في منقار طائر، طالما بكى بها صاحبها في جوف الليل من خوف الله، وكم من يد قد أبينت عن ساعدها طالما اعتمد عليها صاحبها راكعا وساجدا، وكم من وجه رقيق وجبين عتيق قد فلق بغمد الحديد، ثم بكى وقال: آه آه على فراق الإخوان، رحمة الله على تلك الأبدان».
انتهى حلم الشراة - أحد أسماء الخوارج - على يد جيش سيره الخليفة الأموي مروان بن محمد بقيادة عبد الملك السعدي، هزم الخوارج مع زعيمهم أبي حمزة، وقتل هو وكثير معه سنة 130هـ.
حمزة الحالي هو ابن أبي حمزة القديم، مع فرق البلاغة والمنجز العسكري، أي أن خلف الغلاة، أقل ملاءة ثقافية من سلفهم الشراة.
سيذوب الشاب حمزة، وفكره، ببحر الواقع، كما ذاب من قبل ملح الخوارج في تيار التاريخ.
[email protected]