خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

احترام تقاليد الشعوب

كان من مميزات شهر رمضان المبارك الماضي وعيد الفطر المجيد الأهمية التي أولتها شركات المخازن الكبرى في ميادين الملابس، مثل ماركز آند سبنسر، ومخازن المأكولات مثل سينسبري لأذواق المسلمين وميولهم وطقوسهم. فرغم أنهم لا يشكلون غير 5 في المائة من السكان في بريطانيا فإن قوتهم الشرائية، أو بالأحرى، نفقاتهم السنوية تبلغ نحو عشرين مليار باوند إسترليني. ويقدر الخبراء الاقتصاديون أنه لا يحل عام 2019 حتى يكون المسلمون قد أنفقوا ما يربو على 484 مليار باوند.
وأمام هذا الأفق الأرجواني للصرف تضافرت الشركات الكبرى للمواد الاستهلاكية لإقامة مهرجان إسلامي في قاعة أولمبيا الشهيرة بلندن، حيث عرضت للبيع والاستهلاك ودغدغة بلاعيم الجمهور من مسلمين وغير مسلمين، شتى المأكولات يطهونها أمامك حسب طلبك وتعليماتك. كل واشرب هنيئا مريئا بعد الإفطار. منها ما للاستهلاك الفوري، ومنها ما يحمل للبيت أو ينقل بالشاحنات. الفلوس هي كل شيء. ولِمَ لا؟
وفي زوايا أخرى من المبنى عرضت الأزياء الإسلامية من صنع النصارى واليهود والهندوس، إضافة إلى المسلمين من شتى الطوائف والجنسيات، فحيث توجد سوق رائجة تختفي الحزازات والاعتراضات. ويظهر أن الشركات قد تطلعت لنشر التراث الإسلامي حتى بين غير المسلمات. زوايا تعلم الفتاة شد الحجاب ولبس العباءة والثوب بشتى التصاميم العجيبة، ومن ابتداع خير المصممات والمصممين. ولا شك أن بعض أنواع الحجاب أصبحت تتطلب درسا، بل دروسا في شد طيات بعض أصناف الحجاب لإبراز ما فيها من تناغم مذهل. وأظهر بعض المصممين براعة في تصميم الملابس الداخلية للمرأة المسلمة. فستان للسباحة يغطي كل الجسم ولا يعيق السبح. وآخر للأعراس بشتى الألوان. ومشت على منصة القطط شهيرات المانيكان لعرض مبتدعات الفساتين المنسجمة مع التراث الإسلامي والمستوحاة حتى من تاريخ أمة الإسلام.
وسعت شركات الطعام والمأكولات لتطوير بعض الأكلات الإنجليزية والاسكوتلندية والولشية والكورنولية التقليدية وتطويعها للمذاق الإسلامي ومتطلبات الشريعة، كوتج بأي حلال، نقانق حلال، باستي كورنولي حلال، بيف باي حلال، الخ. الواقع أن الكثير من هذه الأكلات الحلال أصبحت مألوفة في المخازن الكبرى، مثل سينزبري ومارك سنسر وويتروي، وحتى المخازن التعاونية الكو أب. تجد على أرففها وفوقها بالطبع كلمات «حلال». أضيفت إليها في هذا الشهر كلمات «رمضان مبارك» مخطوطة بالخط الديواني البديع.
أثار موضوع الحلال والحرام بعض المشكلات في بريطانيا. فالقانون يقتضي الذبح بعد تخدير الحيوان بما يسمى «الصدمة» stun. ورأى بعض الفقهاء أن ذلك يتنافى مع الذبح الحلال. وراحت شركات الأطعمة تجاهد في الوصول إلى حل وسط في الموضوع. بالطبع، سيفتح ذلك مجالا للغش والتلاعب. فتأسست في بريطانيا جمعية تشهد بصحة الحلال. لا أستطيع غير أن أعرب بإعجابي الشخصي بمساعي الإنجليز في احترام تقاليد الشعوب وتراثها. تكاد تنفرد بريطانيا، بلد التسامح والحريات، بترك موضوع الحجاب والنقاب لرأي المرأة.