فهد سليمان الشقيران
كاتب وباحث سعودي
TT

السعودية وأميركا.. التحديات الكبرى تعزز الشراكة

صوّبت زيارة الأمير محمد بن سلمان مسار العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة، الممتدة لأكثر من ثمانين عامًا. بالتأكيد سيتغير شكل التحالف، وتختلف طريقة التعاون، لكن السعودية انفتحت على قوى في الشرق والغرب، ولم تضع كل مخزونها الاستراتيجي، والثقل السياسي، والملاءة الاقتصادية في محورٍ واحد، هناك تنويع في التحالفات وتجديد للتوازنات، هذا فارق جوهري يحايث الزيارة الأميرية التاريخية لتضع العلاقة ضمن حركة الواقع وتغيّرات العالم، وتحوّل شكل الأحلاف وموازين القوى، يرى الأمير محمد أن أميركا دولة حليفة نتشارك معها في مجموعةٍ من التحديات الكبرى بالمنطقة.
توجّه الأمير للشراكة الاقتصادية، زار سان فرانسيسكو حيث الشركات التكنولوجية الأميركية في وادي السيليكون، التقى رؤساء ومسؤولين، بعد أسبوعين من الإعلان عن شراكة سعودية استثمارية بقيمة 3.5 مليار دولار في شركة «أوبر» للتكنولوجيا، وهو ما يمنح السعودية مقعدًا في مجلس إدارة الشركة، وفق تصريحات رئيسها التنفيذي، والمؤسس المشارك ترافيش كالنيش، هناك توجه اقتصادي يتعلّق بـ«رؤية 2030» بغية تحقيق أهدافها والاستفادة من الشركات العالمية.
الجانب السياسي له حضوره، فالتدخلات الإيرانية في شؤون دول الخليج، ودعمها لحركات إرهابية مثل الحوثيين باليمن، و«حزب الله» بلبنان، والميليشيات الأخرى في العراق وسوريا في ازدياد. يعتبر الأمير محمد بن سلمان أن اضطراب المنطقة، وانتشار نماذج الدول الفاشلة بالمحيط يحتم على دول الخليج خاصة بوصفها نموذج الاستقرار العربي على تأسيس تحالفات، وتدوير الزوايا في العلاقات، وإنعاش ما تعطّل منها، بنهاية المطاف السعودية شريك أساسي لأميركا بنشر الاعتدال الإسلامي، ومهما كان التقارب بين إدارة أوباما وإيران، فإن الإرث السعودي التاريخي والثقل الديني، والمرجعية القدسية تجعلها الحليف الأول لأميركا مهما كانت الظروف، وإن اختلفت التقاطعات والرؤى، أو خذل طرف آخر في موضوعات تستحق التدخل الأميركي كما في الموضوع السوري. تستطيع السعودية بالخبرة الكبرى التي تمتلكها استخباراتيًا وأمنيًا أن تساعد أوروبا والولايات المتحدة من أجل القضاء على الإرهاب، واكتشاف الخلايا، وتمشيط الأسماء والقيادات في تنظيمي القاعدة وداعش.
في حوارٍ مهم أجرته قناة «العربية» مع رئيس وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه) جون برينان، قالها بوضوح: «لدينا تعاون ممتاز مع المملكة العربية السعودية. وقد تعاونت مع شركائي السعوديين على مدى سنوات طويلة. فقد عملت في المملكة على مدى خمسة أعوام تحت قيادة ولي العهد وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف، وخلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة أصبح السعوديون من بين أفضل شركائنا في مجال مكافحة الإرهاب. والأمر كذلك بالنسبة لتعاوننا مع الملك سلمان، وولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حيث نشعر أن لدينا فيهما شريكين قويين في المعركة التي نخوضها ضد الإرهاب».
التدخل الإيراني بشؤون الدول أخذ حيّزًا من الاهتمام والنقاش، فالاتفاق النووي لا يعني تحوّل إيران إلى حملٍ وديع، أو شريك استراتيجي للولايات المتحدة، هناك شروط لتحقيق ذلك، برينان يضيف بمعرفته ومكانته: «أشعر بقلق بالغ حيال دعم إيران للأنشطة والجماعات الإرهابية، وخصوصًا ما تقوم به قوة القدس داخل العراق وسوريا وفي بلدان أخرى في المنطقة. أعتقد أنه يجب عليهم أن يثبتوا التزامهم بمحاربة الإرهاب بدلاً من رعاية الإرهاب. لقد سررنا كثيرا بما حققه الرئيس روحاني من خلال علاقته بالمرشد الأعلى خامنئي في الحصول على موافقته على الاتفاق النووي. لكن لا يزال أمام إيران مشوار طويل قبل أن أقتنع بأن الإيرانيين جادون في محاربة الإرهاب والقضاء عليه».
لا يمكن أن يفكّ التحالف بين السعودية والولايات المتحدة، حتى وإن مرّت رياح عاتية، هذا ما يذكّر به عبد الرحمن الراشد في مقالته الخميس الماضي، حيث «الوثيقة النادرة التي كتبت في الأول من مارس (آذار) عام 1945 تبين طبيعة العلاقة السعودية - الأميركية المتوترة... في ذلك العام لم تكن الحكومة الأميركية قد عينت سفيرًا لها في جدة». قد تكون زيارة الأمير هذه هدفها استئناف رحلة الثمانين عامًا من العلاقات التاريخية والاستثنائية بين البلدين، التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية كبيرة، بعض الأحلاف تنتهي، غير أن الظروف الإقليمية والدولية كلها تؤكد أهمية بقاء العلاقات في أوجها، لم تفلح أي دولة بالمنطقة أن تطرح نفسها على الغرب كبديلٍ للسعودية.
أميركا مفيدة، ولكنها قد تخذل حتى أقرب حلفائها، وعلى حدّ تعبير ثعلبها القديم هنري كسينجر: «على أعداء أميركا أن يخشوها، لكن على الأصدقاء أن يخشوها أكثر».