أحمد عبد المطلب
صحافي في «الشرق الأوسط»
TT

فاز الأهلي.. وخسرنا نحن

مع الانتشار الواسع لمواقع التواصل الاجتماعي، وسهولة التعبير عن الرأي أو على الأقل مشاركة آراء الغير بضغطة زر، بدأ كثير من الظواهر السلبية يطغى على الهدف الأساسي من هذه المواقع، فبدلا من التواصل أصبحت القطيعة «بلوك» أسهل الطرق لرفض الرأي الآخر، وبدلا من النقاش المثمر أصبح السُباب سمة مسيطرة على كتابات البعض.
حدث رائع ونادر وسط سيل الأخبار السيئة التي تزفها إلينا القنوات الإخبارية ووكالات الأنباء، يتحول إلى مناسبة للهجوم المتبادل بلا داع، فيديو على موقع «يوتيوب»، ربما يحتوي درسا دينيا، تتحول فيه التعليقات إلى معركة بين هؤلاء وهؤلاء لأسباب غريبة وغير منطقية، معركة كل شيء فيها مباح. العامل المشترك في كل هذه الظواهر دائما هو التعصب وغياب الموضوعية.
وسط أجواء احتفالية واهتمام جماهيري وإعلامي، أقيمت أمس مباراة ودية بين فريقي الأهلي المصري الأكثر تتويجا في العالم وأحد أكثر الأندية الأفريقية جماهيرية، وروما الإيطالي الذي لا يقل عنه شعبية وصاحب المركز الثالث في الدوري الإيطالي، واحتضن المباراة ملعب هزاع بن زايد في دولة الإمارات.
وبعد انتهاء المباراة بفوز الأهلي (4 - 3)، ظهرت معركة جديدة غابت عنها الموضوعية إلى حد كبير، فأنصار الفائز أخذوا يعدون الانتصار تاريخيا وتأكيدا لزعامة فريقهم لمصر والقارة الأفريقية، بينما أخذ مشجعو نادي الزمالك، غريم الأهلي اللدود في مصر، يقللون من قيمة الانتصار والنظر إليه كونه لا يتعدى مباراة، وأن نادي روما جاء للنزهة لا للعب مثلما يقاتل في الدوري الإيطالي، حتى إن البعض من الطرفين قد نسب تصريحات غير حقيقية إلى مدربين ولاعبين في فريق روما بما يخدم وجهة نظره.
وبرأيي أن كلاهما على خطأ، الحقيقة أن المباراة كانت قوية، وشرف بها النادي الأهلي الكرة المصرية والعربية، وهز شباك أحد أقوى الفرق الإيطالية حاليا أربع مرات، وهو رقم كبير في عالم «الكالتشيو» التي تعتمد الأداء الدفاعي في المقام الأول.
كذلك جاء أداء فريق روما جديًا، فسجل ثلاثة أهداف رائعة، مما يؤكد أنه لم يأت في نزهة كما يردد البعض، ولم يخش لاعبوه الالتحامات رغم قوة أداء لاعبي الأهلي.
لكن يجب ألا ننسى أن المباراة، رغم قوتها، ودية قبل أي شيء، ونتيجتها لن تغير شيئا في تاريخ الناديين أو تضاف إلى سجل بطولاتهم الرسمية.
خلال متابعتي عن قرب للكرة الإيطالية لسنوات، بحكم عملي، عادة ما ينظر الإعلام الرياضي هناك إلى مثل هذه المباريات على أنها مباريات شرفية واحتفالية، وربما على سبيل الإعداد، ومنح فرصة لبعض اللاعبين بعد موسم طويل وقاسٍ في الدوري المحلي.
لكن أغلب المصريين، ومعهم بعض الحق، ينظر إلى مثل هذه المباريات بأنها فاصلة وحاسمة ويصفها بالتاريخية، وهذا يرجع في واقع الأمر إلى تاريخ النادي الذي تواجهه الفرق المصرية والعربية لا المباراة نفسها التي تظل عالقة بالأذهان إلى الأبد.
فنيًا، لا شك أن هذه المباريات تساعد على تقليص الفجوة الفنية والمعنوية بين الأندية العربية والأوروبية والاحتكاك بنجوم كبار كانت مشاهدتهم في التلفزيون أقصى طموح لبعض اللاعبين.
وبالتأكيد انتصار كبير على فريق مثل روما الإيطالي يمنح دفعة معنوية هائلة إلى فريق النادي الأهلي في المنافسات المحلية والقارية، ويشجع أندية أخرى على تكرار مثل هذه المواجهات التي تصقل خبرات اللاعبين بشكل أشبه بخوض مباراة في مونديال كأس العالم.
بوجه عام، لا غنى عن الموضوعية، بعيدا عن التعصب الذي يصل أحيانا إلى درجة العنف، ولو لفظيا.. الموضوعية في الطرح أساس أي نقاش حضاري يهدف إلى الوصول لنتيجة منطقية يقبلها العقل.