طارق الحميد
صحافي سعودي، عمل مراسلاً في واشنطن. تدرَّج في مناصب الصحيفة إلى أن أصبحَ رئيس تحرير «الشرق الأوسط» من 2004-2013، ورئيس تحرير مجلة «الرجل» سابقاً. محاضر دورات تدريبية في الإعلام، ومقدم برنامج تلفزيوني حواري، وكاتب سياسي في الصحيفة.
TT

... نخرج من الإسلام السياسي!

أعلن راشد الغنوشي، زعيم حزب النهضة التونسي، الإخوان المسلمين، في حوار مع صحيفة «لوموند» الفرنسية عن تحول في مسار حزبه الإخواني قائلا: «نخرج من الإسلام السياسي لندخل في الديمقراطية المُسْلمة. نحن مسلمون ديمقراطيون، ولا نعرّف أنفسنا بأننا الإسلام السياسي».
وأضاف الغنوشي مؤكدا أن النهضة، «حزب سياسي، ديمقراطي، ومدني له مرجعية قيم حضارية مسلمة وحداثية.. ونحن نتجه نحو حزب يختص فقط في الأنشطة السياسية». وقال الغنوشي موضحا: «نريد أن يكون النشاط الديني مستقلا تماما عن النشاط السياسي. فهذا أمر جيد للسياسيين لأنهم لن يكونوا مستقبلا متهمين بتوظيف الدين لغايات سياسية. وهو جيد أيضا للدين حتى لا يكون رهين السياسة وموظفا من قبل السياسيين»! حسنا هذا رأي الغنوشي الآن، وموقفه، لكن هل هذا يعني اعتذار عن عقود من التحريض، والتأليب، لـ«الإخوان» بمنطقتنا تحت غطاء ديني من أجل الوصول لأهداف سياسية صرفة يعترف بها الغنوشي الآن علنا وهو يقول: «هذا أمر جيد للسياسيين لأنهم لن يكونوا مستقبلا متهمين بتوظيف الدين لغايات سياسية. وهو جيد أيضا للدين حتى لا يكون رهين السياسة وموظفا من قبل السياسيين»؟
أم أن الغنوشي بات مقتنعا بأن لا أمل للإسلام السياسي عربيا، ودوليا، وهذه هي بداية النهاية الفعلية للإسلام السياسي، خصوصا أن مصدرا دبلوماسيا أوروبيا يقول لوكالة الصحافة الفرنسية إن «لدى الغنوشي شبه هاجس بإقناع الشركاء الغربيين بأن (النهضة) ليست الإخوان المسلمين»؟ نقول لا أمل للإسلام السياسي لأنه، وتحديدا بعد الربيع العربي، بات هناك رفض واضح بمنطقتنا لتيارات الإسلام السياسي، وفي المجتمعات الخليجية تحديدا، فقد تيار الإسلام السياسي مصداقيته، ولم يعد كما كان سابقا. ودوليا نحن الآن على مشارف نهاية ولاية الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي اعتقد أن الإسلام السياسي سيأخذ المنطقة إلى الديمقراطية، والإصلاح السياسي، واعتقد أن الأحزاب الإسلامية، وتحديدا الإخوان المسلمين، ستكون على غرار رجب طيب إردوغان «الاقتصادي»، بينما نرى اليوم الذي يفعله إردوغان من حيث التغول للحصول على مزيد من السلطات، وكعادة كل أحزاب الإسلام السياسي التي اقتنع بها بدءا جورج بوش الابن، وهو الذي دفع لانتخابات غزة، وكلنا يعرف ما الذي فعلته حماس الانقلابية هناك، إلى أن جاء أوباما وفجر الفكرة، محاولا مد اليد لـ«الإخوان المسلمين» في كل مكان بمنطقتنا.
وعليه فهل يشكل إعلان الغنوشي عن أن النهضة الإخونجية لن تعرّف نفسها كـ«إسلام سياسي» إلى فتح باب نقاش جاد بمنطقتنا لمناقشة ضرر الإسلام السياسي، والسعي لتصحيح المفاهيم البالية التي رسخت بعقول الأجيال نتاج حملات التيار الإسلامي، وخصوصا الإخوان المسلمين، الذين قادوا طوال عقود حملات تأليب بمنطقتنا، من مصر إلى السعودية، وحتى المغرب، وتونس والجزائر، وزفوا الشباب إلى المهالك بعد أن حولوهم إلى متطرفين أشرار؟ نتمنى ذلك.

[email protected]