أماني العجلان
TT

حرية تعبير أم تطفل؟

لم يكن لدي أدنى شك بأن الحرب الإعلامية لهي أشد ضراوة من الحرب الفعلية وخصوصا في عصرنا الحالي، اذ يشهد العالم نوعا من التجييش المبطن لخدمة مصالح فئة دون أخرى.
وبالنظر للأوضاع الحالية هل نقبل ما تم فرضه من بعض الدول تحت مسمى (حرية التعبير) ام نحتج حول حقنا في حماية أنفسنا وحماية خصوصيتنا؟!
تشير بعض استفتاءات الرأي في المجتمع الأميركي مثلا الى ان 45% من المجتمع لديهم يرى أن حرية التعبير مبالغ بها لدرجة تجعل من الفرد تحت رحمة الصحافي في حالة خوف وقلق مستمرين حول خصوصية معلوماته وبياناته.
وهذا ما يعارض السلوك الإنساني في رغبة كل واحد منا بالحصول على مساحته الخاصة في ممارسة حياته، وان كانت تسير بشكل خاطئ، اذ ان من حق كل فرد ان يتمتع بحرية مطلقه تحدها خطوط قانونية وأخلاقية تجعله امام خيارين اما البقاء بعيدا عن تلك الخطوط واحتفاظه بهامش حرية الخطأ البشري أو انتهاكها فيصبح عرضه للعقاب القانوني أو حتى الاجتماعي والذي قد يحمل قساوة اكثر.
فعلى سبيل المثال في فترة السبعينات نشطت حركة (الهيبيين) في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا وأجزاء من بعض الدول العربية، وبالرغم من أن القانون يكفل لهم حرية التعبير، إلا ان تلك الحركة خفتت وضمرت نتيجة العقوبات الاجتماعية التي مارسها أفراد المجتمع تجاه سلوكياتهم الغير مرحب بها.
واليوم نواجه تلك الحركة مع صعود نجم شبكات التواصل الاجتماعي وانفتاح العالم الرقمي في محاولة لرفع مستوى التعبير حتى وإن كان سلوكا غير مرحب به على الإطلاق.
واذا اردنا النظر للمجتمعات الأوروبية فهي خاضعة لقوانين مستقاة من الدور الديني للكنيسة حتى وان ظهر لنا كمجتمع سعودي ان الكنيسة لم تعد تملك تلك الصلاحيات المطلقة، إلا ان الاعراف الاجتماعية تفرض سلطتها على سلوك الناس داخل هذه المجتمعات.
وبالعودة للقوانين التشريعية لدى دول أوروبا ومقارنتها بالقوانين الأميركية نجد أن القوانين الأوروبية تحمل قيودا انسانية واخلاقية اكثر من مثيلتها الأميركية تجاه حرية التعبير، وبالتالي لم نجد هناك من يحتج على تلك القيود بحجة القمع الفكري!
اليوم السعودية ذات وزن سياسي اقتصادي ثقافي لا يمكن انكاره او التقليل منه، إلا ان الظروف الاجتماعية المحيطة بالمجتمع السعودي لم تعد كالسابق وهناك نوع من التمازج الثقافي والفكري لم نعهده من قبل.
فمن الحكمة قولبة النظم وفق ما تقتضيه المستجدات الحاصلة، اذ ان من الحكمة دراسة وفلترة ما يمكن القيام به تجاه تلك المعطيات حسب الرؤيا السعودية وليس كما تراه اي دولة أخرى.
وبالعودة لقوانين النشر والإعلام لدينا نجد انها لم تعد كافية لمواجهة السيل الجارف من القوانين العالمية ودوما ما تضعنا في موقف الدفاع والاستنجاد بالقوانين الدولية كمرجع للرد، بينما يمكن العودة لسن قوانين محلية ودولية تمنح المواطن السعودي والمؤسسات الإعلامية والحكومية حق الوقوف بوجه تلك التحديات دون ان نبخس دستورنا الإسلامي حقة أمام سياسات الدول الأخرى.
اذا ان من غير المنطقي فرض رأيك على الآخرين ولكن يمكنك دوما فرض احترامهم لرغباتك الشخصية وإن كان رأيهم حول تلك الرغبات غير مرحب به.
كما أن الإقرار بصلاحية الدساتير الوضعية لمجرد انها مطبقة في تلك الدول ما هو إلا نوع من انواع التعدي على حرية الرأي التي تطالبنا ذات الدول باحترامها، فكيف لنا أن نقبل حقهم في مهاجمة ثقافة دول او سياستها الدولية او الداخلية ثم نقف مكتوفي الأيدي أمام ثمار تلك الحرية كما حدث مع الطلبة المبتعثين في ولاية ايداهو الأميركية كآخر نتائج هذه الحرية المطلقة، إذ اننا جميعا نقر بصناعة (داعش) بعد غسيل للأدمغة، لكن لا يحق لأي شخص الاحتجاج على صناعة الإرهاب العنصري نتيجة شحذ وسائل الإعلام لعقول متابعيها بمعلومات مغلوطه عن مجتمع ما او دين او عرق وكل هذا بحجة حرية التعبير عن الرأي.
ليمارسوا حرياتهم بعيدا عن سلامة ابنائنا وبناتنا، وبعيدا عن سيادتنا ومجتمعنا.
وان كان الاستعمار ساهم برسم صور نمطيه للمجتمعات الغربية بطريقة مثالية لدى بعض الشعوب، فنحن مجتمع لم يخضع للاستعمار يوما ولا نملك للمجتمعات ذات حرية الرأي المطلق سوى التقدير والاحترام لخدماتهم الجليلة المدفوعة الثمن تجاه مجتمعنا والتي ساهمت برفع مستوى الوعي والثقافة لمواكبة التطورات العالمية دون التخلي عن الهوية الثقافية والاجتماعية لدينا.