طارق الحميد
صحافي سعودي، عمل مراسلاً في واشنطن. تدرَّج في مناصب الصحيفة إلى أن أصبحَ رئيس تحرير «الشرق الأوسط» من 2004-2013، ورئيس تحرير مجلة «الرجل» سابقاً. محاضر دورات تدريبية في الإعلام، ومقدم برنامج تلفزيوني حواري، وكاتب سياسي في الصحيفة.
TT

زها وأسامة.. عمار ودمار

نعى العالم، وبمؤسساته المدنية كافة، الخميس الماضي، سيدة عربية تعد مصدر فخر، ورمزًا حضاريًا، وهي زها حديد، المعمارية العراقية الشهيرة، بينما في مايو (أيار) 2011 ابتهج العالم بمصرع الإرهابي أسامة بن لادن! ما علاقة هذا بذاك؟ لن أتحدث عن فن المعمار الذي أبدعت فيه الراحلة زها، فلست بالخبير.
إلا أن بوفاة الراحلة زها مفارقة عجيبة بين معمارية لم تولد لعائلة معمارية، وسعت لعمار الأرض، بينما سعى ابن «المقاول»، والمعماري، أسامة بن لادن لدمار الأرض، والإفساد فيها. ولدت زها عام 1950 لعائلة سياسية عراقية لم يعرف عنها شغفها بالمعمار والفنون، بحسب ما قالت نفسها في مقابلة نادرة، هي الأولى عربيًا، مع صحيفتنا هذه عام 2008، ويوم كنت رئيس تحريرها، وأجرتها الزميلة جميلة حلفيشي التي أجرت أيضًا مع الراحلة مقابلة تاريخية أخرى هذا العام، بينما ولد أسامة، زعيم الإفساد بهذه الأرض، عام 1952. المبدعة زها درست الرياضيات بالجامعة، بينما درس الإرهابي أسامة الاقتصاد. سعت زها للإبداع بالإعمار والمعمار، بينما سعى الإرهابي أسامة للدمار!
هاجرت زها العراق بسبب القمع والاضطهاد، وماتت تحلم بزيارة بغداد، بينما هرب أسامة من السعودية بسبب رغبته الشريرة في تدميرها. سعت زها بالأرض خيرًا، وإبداعًا، بينما سعى أسامة في الأرض فسادًا، وخرابًا. نالت زها جل الجوائز العالمية التي يحلم بها إنسان، ناهيك بامرأة، وتسابقت المؤسسات، والدول، للفوز بعقود معها، بينما تسابقت الدول والأجهزة الأمنية للوصول إلى رأس أسامة. كان العالم يكرم زها المعمارية، وينتقد العراق، بينما كان العالم يلاحق أسامة، ابن المقاول والمعماري، ويتعاون مع السعودية، ويمتدحها، بحثًا عنه. اشتهرت زها بـ«العمارة التفكيكية» التي تدعو إلى «انعدام التوازي والتقابل في الخطوط والأشكال من أجل تحقيق هيئات درامية لافتة، لكن تخدم صاحبها وتتناغم مع محيطها في الوقت ذاته»، بينما اشتهر أسامة بتأسيس «القاعدة» التي تدعو للتخلف، والقتل، والتطرف، والتقاطع، وهدم الدول الإسلامية، قبل الغربية!
رحلت زها فنعاها العالم، وبكتها فنون العمارة، وقد خلقنا الله لعمارة هذه الأرض، بينما تباشر العالم بالتخلص من أسامة. رسخت زها بمعالم الأرض الحضارية، بينما تحول أسامة إلى ملف يدرس بمكافحة الإرهاب. ماتت زها وحلمها العودة للعراق، طارد العقلاء والمبدعين، بينما مات أسامة حالما بتدمير وطنه الذي حاول مرارًا توجيهه لجادة الصواب. ماتت زها كرمز حضاري عربي عالمي، تحلم بزيارة العراق، الذي يتفاخر بها الآن رمزيًا، وهذا حال منطقتنا، حيث ينعى الحي الميت ليثبت وجوده، وليس لترسيخ قيم الراحل، بينما انتهى أسامة بكل كتب السيرة كشخص «عديم الجنسية»، حيث نزعت عنه السعودية جنسيته عام 1994، وقبل إرهابه الدولي. ختامًا هذه ليست لقطة صحافية للانبهار، أو الجدال، بقدر ما أنها دعوة للدراسة والبحث والتأمل والمقارنة، علنا نجد ضوءًا في آخر هذا النفق!
[email protected]