د. شملان يوسف العيسى
كاتب كويتي
TT

دروس ما بعد بلجيكا

الأحداث الإرهابية، التي داهمت المجتمع والدولة في بلجيكا، نبهت دول العالم المتحضر إلى أن إرهاب بعض الجماعات المتطرفة بدأ يأخذ أبعادًا خطيرة، فالجيل الجديد من الإرهابيين أصبح أكثر تطرفًا وأشد خطرًا على البشرية، لأن أفكارهم الإرهابية تتمدد عبر الحدود الدولية.
توسعت عمليات تنظيم داعش خارج منطقة الشرق الأوسط إلى أوروبا بتنفيذ عملية باريس في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، والآن في بلجيكا في الأسبوع الماضي.. «داعش» تحاول إيصال رسالة إلى الولايات المتحدة والدول الغربية وروسيا التي تشارك طائراتها وقواتها بضرب مناطق التنظيم الإرهابي في سوريا والعراق وليبيا.
السؤال: ما الدرس المستفاد من هذه العمليات الإرهابية التي أفزعت الأبرياء في أوروبا وبلاد المعمورة كلها؟
الدرس الأول أن الجماعات الإرهابية التي بدأت عملياتها في العراق وسوريا لتقويض النظامين الاستبداديين في هذين البلدين، أصبحت اليوم أكثر عنفًا واستبدادًا ودموية من النظامين اللذين تحاول الإطاحة بهما، لكن الشعار الذي ترفعه هو «إقامة دولة الخلافة الإسلامية» التي بدأت تهدد ليس فقط الأنظمة المجاورة للعراق وسوريا، بل امتد خطرها ولهيبها إلى الدول الأوروبية المستقرة.
الدرس الثاني أن قدرة التنظيمات الإرهابية وإمكانياتها أكبر مما كان مقدرًا لها من بعض الدول العربية أو الاستخبارات العربية والغربية التي يصرح قادتها بأنهم سوف يقضون على الإرهاب في فترة وجيزة.
لقد كان الرئيس الأميركي باراك أوباما محقًا عندما ذكر أن محاربة الإرهاب قد تمتد إلى أكثر من ثلاثين عامًا. فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة حشدت أكبر عدد من الدول الغربية والعربية لمحاربة إرهاب «داعش» في سبتمبر (أيلول) 2014 ودخول روسيا الاتحادية الحرب على «داعش» في عام 2015، بإرسال قوات جوية وخبراء عسكريين نشطوا في ضرب الإرهابيين في العراق وسوريا.. أضف إلى ذلك تدخل دولة إقليمية كبيرة، مثل إيران، التي تحالفت مع النظامين السوري والعراقي، وأرسلت ميليشيات طائفية من العراق لمحاربة «داعش» في سوريا والعراق، فإن الإرهاب لم يتم القضاء عليه.
الدرس الثالث هو أن الإرهابيين في «داعش» جعلوا الولايات المتحدة وروسيا، وهما دولتان عظميان، تعيدان النظر في حساباتهما الخاصة بمحاربة الإرهاب، لذلك وجدنا أن الولايات المتحدة وروسيا بعد ضرب مستمر بالطيران ضد «داعش» تتفقان على وقف إطلاق النار، وإعلان هدنة في سوريا، والدعوة إلى إجراء مفاوضات في جنيف لا تزال مستمرة.. وقد تم الاتفاق مبدئيًا على صياغة دستور جديد لسوريا ينتهي العمل به في شهر أغسطس (آب) المقبل.
سعت الدول العظمى لإيجاد صيغة لإيقاف الحرب العبثية في سوريا حتى لا تتزايد وتيرة العنف والإرهاب في المنطقة، وتمتد إلى كل دول العالم، خصوصًا أن استمرار الحرب الأهلية في العراق وسوريا نتج عنه تشريد الملايين من البشر الأبرياء من رجال وأطفال ونساء يحاولون الهجرة إلى بلاد آمنة في أوروبا.. مما خلق أزمة داخل الدول الأوروبية حول كيفية التعامل مع المهاجرين الجدد.
الدرس الرابع أن أحداث بلجيكا قد أوجدت ثغرات أمنية قاتلة، ففي تركيا صرح المسؤولون في الأجهزة الأمنية بأنهم أبلغوا زملاءهم في بلجيكا بخطورة بعض الإرهابيين الذين دخلوا بلجيكا. حالة عدم الثقة المتبادلة بين الدول الأوروبية في مجال الاستخبارات برزت بشكل واضح في تلك الأزمة؛ فكل دولة مترددة في تزويد الدول الأخرى بالمعلومات التي لديها.. أضف إلى ذلك أنه لا توجد ثقة تامة بين استخبارات أميركا وأوروبا، وأن الاثنتين لا تثقان بروسيا المتحالفة معهما ضد الإرهاب.
الدرس الخامس أن الدول العظمى رفعت شعار محاربة الإرهاب لتبرير تدخلها في المنطقة.. بينما واقع الحال أن كل دولة تحاول تحقيق مصالحها في المنطقة.. هذا الوضع غير الطبيعي هو أن تحالف الجميع ضد «داعش» خلق تعاطفًا جماهيريًا لدى قطاع لا يُستهان به من الجماهير العربية المحبطة التي تنظر للإرهابيين وكأنهم قوة جديدة تتحدى قوة الغرب.
السؤال: كيف يمكن بلورة سياسة جديدة تحارب الإرهاب بعيدًا عن المفهومين الأمني والاستخباراتي اللذين يدعوان إلى قتلهم وملاحقتهم وتجفيف منابع تمويلهم وأفكارهم؟
من متابعتنا للمعلقين والمختصين العرب والغربيين بالإرهاب الذين علقوا على أحداث بلجيكا المؤسفة، نجد أن هنالك اتفاقًا على أن مشكلة الإرهاب أعمق مما يتصوره الجميع، وما دامت هنالك بيئة اجتماعية حاضنة للإرهاب في منطقتنا العربية وبين الجاليات المسلمة في أوروبا، فإن الإفراط في الاعتماد على القوة العسكرية وحده لن يجدي نفعًا.. علينا إطلاق مبادرات جادة لمحاربة التطرف والمغالاة في التدين والحض على العنف ومعاداة الآخر ونبذه.. وهذا يتطلب تحديث التعليم ومراقبة خطباء المساجد ودعم خطط التنمية، فالبيئة الاجتماعية التي تنتج التطرف والتعصب هي المنبع الأساسي للإرهاب.