خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

زبالة!

هناك واحدة من المشاكل التي لم يلتفت إليها أحد بالنسبة لتركة صدام حسين. لم يحسبوا لها حسابها، وهي زبالة صدام. ما أقصده بها، ألوف الكتب والنشرات والتصاوير المتعلقة به وبانتصاراته. ملأت مخازن سائر المؤسسات والسفارات.
سيقال دعهم يحرقوها ويتخلصوا منها. ولكن هذا شيء يصعب تطبيقه. كيف تستطيع حرقها دون اعتداء على البيئة وخرق القوانين والأنظمة المتعلقة بذلك؟
هذه مشكلة مكلفة في الغرب، إذ لا يجوز مطلقًا عندهم حرقها أو رميها في الأنهار، وهو ما اكتشفته السفارة العراقية بلندن قبل سنوات. فكلما حصل انقلاب وجاءت حكومة جديدة، بادرت الحكومة الجديدة لإصدار مطبوعاتها الدعائية فتمتلئ غرف السفارة بها. بعد أشهر قليلة، يحدث انقلاب آخر، وتأتي حكومة أخرى.
ماذا تفعل الحكومة الجديدة؟ بالطبع، ومن دون كلام، تأمر بإزالة مطبوعات وتصاوير النظام السابق.
وفي سفارة لندن، تلقى الفراش مكين التعليمات بإزاحة هذه الزبالة، خطب الرئيس السابق وتصاويره ومؤلفاته. يأتي الحمالون وينقلونها للسرداب. بضعة أشهر، ويحصل انقلاب آخر وتتكرر العملية. مستر مكين! يا مستر مكين، أرجوك شيل هذي الزبالة وخلصنا منها. هذا الرئيس السابق كان خائنًا وعميلاً للاستعمار.
يأتي الحمالون ويردمون كل خطبه وتصريحاته في السرداب. وتكررت العملية، حتى امتلأ السرداب بزبالات الأنظمة البائدة المتوالية. دخل الفراش على السفير يومًا بوجه مضطرب. سيدي، هذي الزبالة ملأت السرداب. ما بقي مكان. يعني، إذا سقطت هذه الحكومة أيضًا، أين سنضع زبالتها؟ لا بد من حل.
والحل هو تكليف إحدى شركات القمامة لتتولى أمر نقل كل هذه المطبوعات والتصاوير والأفلام والتخلص منها حسب مقتضيات القانون الإنجليزي. وهي عملية كلفت السفارة آلاف الباوندات. بضعة آلاف لطبع تلك المطبوعات ثم دفع عدة آلاف لإتلافها.
لا أدري كم بقي في مخازن الحكومة من مؤلفات صدام وخطبه وتصريحاته وتصاويره. كم سيحتاجون من وقت وأموال للتخلص منها؟ وهي في كل سفارات العراق ومؤسساته ومدارسه وكلياته. كتاب أمير اسكندر فقط عن سيرة الرئيس ومدائح عبد الرزاق عبد الواحد تحتاج إلى لوريات لحملها وإتلافها وردمها.
وهو موضوع يتطلب من اليونيسكو تخصيص ميزانية كافية وحصة من واردات النفط لهذه المهمة الجديدة، وهي صيانة البيئة من أوساخ السياسات الديكتاتورية وقاذورات الانقلابات والمؤامرات.
فمن دون ذلك ستبقى مكاتب ومخازن المؤسسات الحكومية والشوارع والساحات العامة في كل المدن العراقية مليئة بزبالات صدام والحكومات الساقطة. ربما نجد من الممكن الاستفادة من أكوامها المكدسة كمادة للردم.. نردم بها المستنقعات والمناطق الموبوءة. لا، بل وأكثر من ذلك نردم بها بعض مياه الخليج ونكسب بضعة أميال نضيفها إلى تربة العراق.
يا سبحان الله! اليابان والصين تخلقان جزرًا واسعة بردم البحر بالمعدات الإلكترونية النافذة المفعول، ونحن نفكر بردم البحر بخطب الرؤساء المخلوعين وتصاويرهم وبرامج أحزابهم وأفلام انتصاراتهم الكاذبة!