حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

حزب الله وضبابية الغنوشي

«أما دور حزب الله في سوريا فهو دور إشكالي محل أخذ ورد».. هذا التصريح المدوي لراشد الغنوشي رئيس حزب النهضة التونسي لا يستطيع أن يغسل خزيه وعاره كل أنواع المنظفات الاستدراكية وصابون النفي والتوضيح. مصدر الإشكال والأخذ والرد عند الغنوشي أن حزب الله في نظره يتزعم مقاومة المحتل الإسرائيلي، ونظام بشار هو طريق الإمدادات للحزب المقاوم، هذا هو محل الأخذ والرد، فهو من وجهة نظر الغنوشي فهمنا منه أنه اجتهاد للحزب وهو موقف محل أخذ ورد، وليجثم بعدها نظام بشار الطائفي بدمويته وجبروته واستبداده على الشعب السوري باسم مقاومة إسرائيل، وليقتل هذا النظام عشرات الألوف من الشعب السوري من أجل مقاومة إسرائيل، وليشرد الملايين منهم على أبواب الذل في دول أوروبا من أجل مقاومة المحتل الإسرائيلي، وليدمر زبانية بشار المدن والبلدات السورية بالبراميل المتفجرة لأن الثورة ستسقط نظامًا يقاوم إسرائيل، ولينشر ملالي إيران تشيعهم في بلاد سنتها تسعون في المائة من أجل عدم تكدير جبهة الممانعة بقيادة المقاوم البطل بشار، ولتغير إيران من ديموغرافية سوريا العرقية والطائفية بالتعاون مع حزب حسن نصر الله، لأن هذا النظام وحزب الله العمود الفقري لجبهة الممانعة.
وبذات المنطق المرعب يبقى التغلغل الإيراني، أو بعبارة أدق الاحتلالات الإيرانية لليمن والعراق ولبنان وتهديدها لدول المنطقة «دورًا إشكاليًا ومحل أخذ ورد»، لأن دول المنطقة تقاوم نظام إيران وهو الممول الأساسي لحزب الله المقاوم لإسرائيل، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ومع أن راشد الغنوشي قد ألحق تصريحه المفجع حول دور الحزب «المتفهم» في سوريا بنقد الحزب في مقاومة الثورات العربية وممارساته في سوريا إلا أنه لم يكن كافيًا لتجلية موقفه وتبريره، بل واصل ضبابية الموقف حين أكد في تصريحاته التوضيحية حين قال إنه لا يصف حزب الله بأنه إرهابي ولا يقول عنه إنه ليس إرهابيًا، ولأول مرة نسمع بمنطقة برزخية بين الإرهاب والسلم، هي التي يقف فيها حزب حسن نصر الله بمباركة من الغنوشي.
كنا سنتفهم على مضض موقف الغنوشي من حزب الله ومغامراته مع إسرائيل التي جلبت للبنان مجازر دموية ودمارًا هائلاً في مدن الجنوب، لكننا لا نعذر الغنوشي بعد أن قامت الثورة السورية، وهي الثورة الكاشفة الفاضحة، كشفت نظام إيران وحزب الله وفضحت نياتهما وجرائمهما وطائفيتهما وعنصريتهما، كما لا نعذره وهو يسمع قادة إيران جهارًا نهارًا يفاخرون بسيطرتهم على أربع عواصم عربية سنية ويهددون الدول الباقية المسالمة الوادعة، ويسمع الغنوشي زعيم حزب الله وهو يرافع عن هذه الاحتلالات ويبارك نتائجها ويدافع عن الميليشيات التي عاثت في هذه الدول نهبًا وتدميرًا وتقتيلاً.
وللإنصاف أقول إن موقف راشد الغنوشي المخزي من إرهاب وجرائم حزب الله يظل استثناء بالنظر إلى مواقف أغلبية التوجهات الإسلامية السياسية في الدول العربية التي هالها وصدمها ممارسات نظام إيران وحزب حسن نصر الله في سوريا والعراق واليمن، فغيرت أغلبية هذه التوجهات الإسلامية من سياستها المتعاونة أو المحايدة مع إيران، بدا ذلك في قنواتهم وأذرعتهم الإعلامية وتصريحات قادتهم ورموزهم الفكرية، بل وصل إلى حد الصراع المسلح مع حلفاء إيران، كما يجري الآن في سوريا واليمن، وهو تحول مهم يجب تعزيزه وتنميته في صراع دول المنطقة الوجودي مع التغلغل الإيراني المدمر، وعلى هذه التوجهات الإسلامية الآن الضغط على حزب النهضة وغيره ممن لا يزال يضع ثقته في الخصم الطائفي التوسعي المتربص في قم.