مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

المقالة (الميكانيكية)

منذ صغري بالطائف كنا نتعامل مع ورشة صغيرة لتصليح السيارات، يديرها ميكانيكي بارع من أصول فلسطينية، واشتهر ذلك الرجل إلى جانب ذلك بالأمانة. وبعد أن (شببت عن الطوق) مثلما يقولون - أي كبرت -، واستطعت أن أقتني في البداية سيارة مستعملة كثيرة الخراب، لهذا أصبحت زبونًا شبه دائم على ورشة ذلك الميكانيكي. وقبل أن أسترسل بالموضوع، فجملة (شببت عن الطوق) تلك التي أوردتها قبل قليل، لا تزال تؤرقني وتثير تساؤلي، لأنني لا أعرف ماهية ذلك (الطوق) الذي شببت عنه، وليس عيبًا أن يصرح الإنسان بجهله، لهذا أرجو ممن يكون ضليعًا باللغة أن يعلمني وينور بصيرتي.
أعود لموضوع سيارتي، التي انطلقت بها من الطائف إلى جدة لتحقيق مآرب لا أستطيع أن أحكيها أو أصرح بها، خوفًا من أنه قد يقام علي الحد بأثر رجعي.
المهم لاحظت أن السيارة كانت (تتفتف وتزرقن) بين الحين والآخر أثناء مسيرتي، وخشية من أن (تبلّط) وتتوقف في مكانها، داريتها وسايرتها بقدر ما أستطيع، وما إن وصلت إلى مشارف جدة، حتى فرحت عندما شاهدت ورشة بجانب الطريق، وأدخلت السيارة فيها شارحًا لهم علّتها، أخذوا يفحصونها ويتهامسون فيما بينهم، وفهمت منهم أن أعطالها تحتاج إلى وقت وجهد وقطع غيار، فأسقط بيدي وشككت أن القوم يأتمرون بي، ولاحظت أن التليفون موضوع على رف خشبي، فهداني ربي أن أطلب منهم الاتصال بواسطته فأذنوا لي، فاتصلت بالميكانيكي بالطائف أشرح له الموقف، فقال لي: أعطني رئيسهم، فلما أخذ السماعة قال له: شغل السيارة وضع سماعة التليفون على الماكينة، وهذا ما حصل وأخذ يستمع لها ثلاث دقائق، ثم قال له أن يعمل كذا، ويفك كذا، ويربط كذا، وما هي إلاّ أقل من عشر دقائق حتى عادت السيارة صاغ سليم.
وما دمنا بهذا الصدد، فأعرف صديقًا لديه سيارة (مدردعة)، وفي الصباح شاهدت سيارته متوقفة أمام منزله ومفتوح كبوتها، ورجل منحنٍ يفحص ماكينتها وظننته مهندسًا، وكان صاحبي واقفًا أمامه، فأتيت له مسلمًا عليه، وأقول له مازحًا وبصوت مرتفع: أما زلت مع هذه العجوز التي أكل الدهر عليها وشرب؟!، يا رجل اخجل من نفسك (لا يصلح العطار ما أفسد الدهر)، وأفضل لك أن تبيعها (سكراب) في مكان التشليح.
وتفاجأت بالرجل الذي كان يتفحص الماكينة، يعتدل بوقفته بعد أن سمع كلامي، ويرفض شراء السيارة، حاول صاحبي أن يخفض له السعر مثلما يريد غير أنه رفض وذهب. بعدها أخذ الصاحب يردح لي: انت ايش جابك؟!، انت ايش حشرك؟!، انت غراب الشؤم، أرجوك لا توريني وجهك بعد اليوم، ضيعت البيعة عليّ، الله لا يوفقك لا في دنيا ولا في آخرة.