راجح الخوري
كاتب لبناني
TT

رئيس لبنان يُنتخَب لا يُقطَف!

يوم الاثنين الماضي عقدت الجلسة الانتخابية الفاشلة رقم 35، لا لتستمر دورة الفراغ الرئاسي الذي يعصف بلبنان منذ 19 شهرًا، بل لتكتمل المهزلة المهينة لمعنى التكليف العام في لبنان، عندما يكون المرء نائبًا عن الشعب في بلد يدّعي الديمقراطية البرلمانية طبقًا لدورة التكليف العام الملغاة تقريبًا، بعدما قام النواب بالتمديد لأنفسهم مرتين ركوبًا على ظهر البعير الشعبي البائس واليائس!
المقصود بالمهزلة أولاً أن المرشَحين الرئيسيين لمنصب الرئاسة غابا عن الجلسة مع كتلتيهما والكتل التي تؤيدهما على ما يفترض، وثانيًا لأن الاثنين، وهما النائب ميشال عون والنائب سليمان فرنجية، من فريق واحد هو 8 آذار، وثالثًا لأن السيد حسن نصر الله لم يتردد في إطلالته التلفزيونية الأخيرة في القول: إن الرئيس العتيد سيأتي من فريقنا، ولهذا كان السؤال تكرارًا: إذًا ماذا تنتظر 8 آذار لتقرر من تريد أن تنتخب رئيسًا عون أو جعجع؟
قد يكون في اتخاذ هذا القرار وجع سياسي عميق يزيد من الشرخ داخل 8 آذار لأن المفاضلة ستعمّق الانقسام في الصفوف، لكن ما هو أهم وأخطر من الانقسام ذلك التحايل أو بالأحرى التذرّع ولو شكلاً بمجانبة الانقسام لمزيد من الولوج في الفراغ، وصولاً إلى الشلل التام الذي يراهن عليه «حزب الله» ومن ورائه إيران، لفتح باب «المؤتمر التأسيسي» الذي سبق أن أشير إليه مرارًا حيث يُراد العمل لتعديل اتفاق الطائف، الذي أنهى الحرب اللبنانية وصار دستور البلاد وأقرّ المناصفة ركيزة استقرار بين المسلمين والمسيحيين.
في حديثه مع زميلتنا هدى الحسيني في «الشرق الأوسط» بداية الأسبوع، لم يجانب رئيس مجلس النواب فريد مكاري الواقع الذي بات واضحًا وملموسًا، عندما حذّر من أن «حزب الله» المدعوم من إيران يريد ما هو أبعد من الرئاسة اللبنانية أي أن يأتي برئيس للجمهورية من صفوفه، ويسعى إلى تعديل الدستور من أجل أن يشارك مشاركة فعلية دائمة في السلطة التنفيذية، على قاعدة طالما قيل إنها المثالثة بدلاً من المناصفة، ورأى أن الدور الإيراني في هذا السياق وفي المنطقة سلبي جدًا.
رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يقلب صفحات روزنامة الفراغ الرئاسي حدد الثاني من مارس (آذار) المقبل موعدًا جديدًا لجلسة جديدة وفاشلة طبعًا، ذلك أن كل المؤشرات والعوامل المحيطة بموقف «حزب الله» من الاستحقاق الرئاسي، أي انخراطه في الحرب إلى جانب النظام السوري وتنفيذه الروزنامة الإيرانية في المنطقة، تشي بأنه يفضل استمرار الفراغ للأسباب المذكورة.
فهو ليس مستعدًا ولن يكون قط، لإقناع حليفه الجنرال عون بالانسحاب لمصلحة حليفه الآخر سليمان فرنجية، بعدما حصل على شبه مباركة من الرئيس سعد الحريري و«تيار المستقبل»، وهو ليس مستعدًا ولن يكون مستعدًا قط لإقناع حليفه فرنجية بالانسحاب لمصلحة حليفه عون الذي حصل على ترشيح الدكتور سمير جعجع والقوات اللبنانية، رغم أن السيد نصر الله يقول: إن الرئيس سيأتي من صفوف 8 آذار ورغم أن فرنجية يقول: إن نصر الله «سيد الكل»!
ولعل هذا ما دفع مكاري في حديثه إلى «الشرق الأوسط» إلى القول محقًا «إن النائب فرنجية حر في اختيار السيّد الذي يريده، أما بالنسبة إليه كمرشح لرئاسة الجمهورية فالدستور اللبناني هو الذي يحب أن يكون سيد الكلّ».
في 6 فبراير (شباط) من عام 2006 وقّع عون ورقة التفاهم مع «حزب الله»، وقبل أيام في 6 فبراير الجاري ولمناسبة الذكرى العاشرة لهذا التوقيع أو الوقعة، قام وفد من الحزب برئاسة حسن خليل المعاون السياسي لنصر الله بزيارة عون، الذي كان قد صفق طويلاً لورقة «النقاط العشر» التي قرأها الدكتور جعجع في مقره بمعراب، يوم صعد إليه عون حيث أعلن جعجع ترشيحه للرئاسة، والمفارقة الصارخة أن محتوى ورقة معراب يناقض كليًا محتوى ورقة تفاهم عون نصر الله.
رغم هذا لم يتردد خليل في الإشادة بورقة التفاهم مع عون الذي يتحرّق ضمنًا لكي يترجم «حزب الله» عمليًا كل ما يقوله عن أنه مرشحه الأول للرئاسة بحيث يعمل فعلاً على إيصاله إلى بعبدا، وهو ما يبدو بعيدًا جدًا، رغم ما قاله خليل من الرابية عندما سئل عن سبب عدم مشاركة نواب الحزب في جلسة الاثنين: «هناك نقطة مركزية تحدثنا عنها طويلاً وأكررها، لدينا مرشح طبيعي ودائم اسمه الجنرال ميشال عون عندما تتوافر الظروف الملائمة لانتخابه رئيسًا للجمهورية سنكون أول الوافدين إلى مجلس النواب»!
وعندها سئل ما إذا كان الحزب يعمل على إقناع فرنجية بسحب ترشيحه، لم يتردد في القول: كلا. لا نعمل على هذه النقطة، وسحب ترشيح فرنجية ليس معناه أن يكون لمصلحة عون و«أن الأمور بأوانها»، هناك مرشح اسمه سليمان فرنجية وهو حليفنا ومن 8 آذار، ولكن «حزب الله» لديه مرشح اسمه الجنرال عون وطالما هو مرشح فهو مرشح «حزب الله»، بما يعني ضمنًا أن الحزب لا يريد خسارة لا عون ولا فرنجية، وهذه صيغة مثالية لاستمرار الفراغ الرئاسي، لأن عون لن ينسحب لفرنجية والعكس صحيح!
وماذا يعني القول: «إن الأمور بأوانها» غير الإيحاء بأن الحزب يضع يده على الاستحقاق الرئاسي، وخصوصًا عندما يُسأل خليل ما المانع من النزول إلى المجلس وانتخاب واحد من حليفيكما عون أو فرنجية، ليرد بالقول: «حين يحين قطافها سنقطفها، لنترك الأمور للزمن»، ولكأن الرئاسة ثمرة يقطفها «حزب الله» لا عملية انتخاب ديمقراطية يقوم بها النواب اللبنانيون!
المفارقة التي لا تُصدق أن تكون جلسة الاثنين الماضي شهدت غياب المرشحَين للرئاسة عون وفرنجية مع كتلتيهما النيابيتين، أي «المردة» و«التيار الوطني الحر» و«الوفاء للمقاومة» (حزب الله) والسوري القومي الاجتماعي وحزب البعث، بينما حضرت «كتلة المستقبل» (تدعم فرنجية) والقوات اللبنانية (رشّحت عون) واللقاء الديمقراطي (يواصل وليد جنبلاط التكتكة بترشيح هنري حلو) والتنمية والتحرير (كتلة نبيه بري للإنزال الملائم) وكتلة الكتائب التي صرخ رئيسها سامي الجميل: مؤسف أن يحضر النواب لانتخاب مرشَحين لا يحترمان الدستور. إن الكتل النيابية سقطت وعلى الرأي العام أن يحاسب. نحن ندفن اليوم عملية الانتخاب السرية الدستورية!
النائب بطرس حرب واهم طبعًا إذا اعتقد أن مجلس النواب الممسوك من رقبته، سيوافق على تعديل دستوري يقترحه وينص على اعتبار النائب الذي يتغيّب ثلاث مرات عن حضور جلسات انتخاب رئيس الجمهورية بحكم المستقيل، وأنه على الرئيس دائمًا أن يستمر في ولايته حتى انتخاب رئيس جديد، ربما لأن التعديل الدستوري الوحيد الذي يريده «حزب الله» هو المثالثة بدلاً من المناصفة، لهذا الفراغ الرئاسي مديد لأن لبنان لم ولن يصبح ولاية إيرانية!