حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

العرب وإيران ومأساة الأندلس

غفلة بعض الدوائر العربية الرسمية والإعلامية عن خطر النظام الإيراني عسكريًا وآيديولوجيًا، وانشغال العرب بالأقل أهمية عن المهم، والاهتمام بالخلاف السياسي البيني عن الخطر الماحق والتهديد الداهم القادم مما وراء النهرين، يذكرنا بأجواء ضياع الأندلس. الأخطر هذه المرة أنه ضياع لأندلسات بالجملة وفي فترات متقاربة جدًا: أندلس العراق وأندلس لبنان وأندلس سوريا وأندلس اليمن، ولا تزال الجعبة الإيرانية مليئة بأندلسات صغيرة ولكنها دسمة جدًا، وعينها في الأخير على أم الأندلسات العربية وأهمها وأكبرها وأخطرها، لتنفيذ البند الأكبر من خطة تصدير الثورة الإسلامية التي أعلن عنها الخميني ساعة وطئت قدماه إيران قبل أكثر من ثلاثين عامًا.
كانت طليطلة هي الثور الأبيض الذي كرت بعده، وعلى مدى أربعة قرون، سبحة بقية الثيران الأندلسية، ولو كان العرب يعون حقًا خطر الممالك النصرانية في أوروبا لصرخوا حين سقطت طليطلة (أمة في خطر) غير مكترثين بقوتهم العسكرية والحضارية والعلمية، لكنهم استحلوا حياة البذخ والترف والفساد والصراع المحزن بينهم على السيطرة على الأندلس حتى أمست كل مدينة أندلسية دولة ليس فيها مقومات الدولة، فاضطر أمراؤها للاستعانة بالأعداء ليتفرغوا هم للملذات وحياة الدعة والاسترخاء والسكون.
كان على العرب المعاصرين أن يصرخوا «أمة في خطر» حين رأوا الحلف الآيديولوجي الشيعي يتشكل بين نظام الخميني ونظام حافظ الأسد في نهاية السبعينات، وكان على العرب أن يمتشقوا أسلحتهم استعدادًا للنزال وهم يرون جيشًا شيعيًا آيديولوجيًا يجري إعداده في الجنوب اللبناني ليكون جيشًا أقوى وأخطر وأكثر عددًا وعدة من الجيش النظامي اللبناني، تمده إيران بالأسلحة الثقيلة والخفيفة ويحمي الأسد العلوي طرق الإمدادات تحت سمع وبصر العالم السني الغافل.
وكان أشد العرب غفلة وسذاجة قادة الجيش السوري الذين ساندوا انقلاب حافظ الأسد الزعيم الطائفي الحاقد الذي تسربل بثوب القومية العربية والصمود والتصدي، فظن المساكين أن الفريق حافظ سيحلق بطائرة القومية العربية فوق جاذبية الطائفية والمذهبية فناصروا انقلابه ليكون حافظ وولده ونظامه أكبر معول لهدم الكيان السوري وبدعم إيراني طائفي ثابت لا يهتز.
هل أنا قلّبت مواجع الماضي، والماضي ذهب بخيره وشره فلا يصح أن نتوقف عند التاريخ كثيرًا؟ الجواب لا، بل التاريخ يكرر نفسه مع العرب السنة وبصورة أكثر غفلة وسخرية وسذاجة، فما برحت بعض الدول العربية مثل دول الطوائف الأندلسية لم تفق من سكرتها وغفلتها، وما برحت ترى من خلال تصريحات مسؤوليها وإعلامها المخدر الساهي الغافل أن مقاومة النفوذ الإيراني والتغلغل السياسي والعسكري والآيديولوجي في الدول العربية السنية نوع من الطائفية البغيضة التي لا يصح أن نلغ في إنائها، وعند هؤلاء الغائبين أو المغيبين لا مشكلة أن تبتلع إيران العراق وتلتهم سوريا وتسيطر على لبنان وتتمدد في اليمن وتهدد دول الخليج من خلال عملائها، وتنشر تشيعها في الدول العربية والأفريقية والآسيوية السنية، وأن على الدول العربية ألا تقاوم نفوذ إيران ولا تدفعها نحو حدودها حتى لا يصمها أحد بالطائفية.
في تونس، لم يفهم التنفيذيون معنى أن يحرص النظام الإيراني على عقد اتفاق سياحي متبادل مع تونس وما هي مراميه البعيدة سياسيًا وعسكريًا وآيديولوجيًا، ولم يشغلوا أنفسهم بالتساؤل عن سر حرص إيران على الاتفاق السياحي في وقت تنزف فيه مواردها في العراق وسوريا واليمن ولبنان، لم يدرك بعض التونسيين أن مطية التغلغل الإيراني في العالم الإسلامي تتخذ طرقًا شتى؛ التعليم والبعثات والسياحة ودورات التأهيل العلمية والعملية والطب والهيئات الخيرية، تمامًا كما كان يفعل الاستعمار حين اتخذ التبشير وخدماته الإنسانية مطية للاستعمار.
التهم الأسد الإيراني أربعة ثيران ولا يزال في العرب من يقول إنا بمنأى عن الأكل وأهلاً بإيران وبأذرعتها وتغلغلها ونفوذها وسياحتها واقتصادها.. وتبًا للطائفية!.